كتاب الجامع المسند الصحيح (اسم الجزء: 3)

فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَأتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُهُ، قَالَ: فَأتَانِي الشَّيْطَانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: مُحمَّدٌ يَأتِي الأنْصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ، وَيُصِيبُ عِنْدَهُمْ مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَى هَذِهِ الجُرْعَةِ، فَاشْرَبْهَا، قَالَ: مَا زَالَ يُزَيِّنُ لِي حَتَّى شَرِبْتُهَا، فَلمَّا وَغَلَتْ فِي بَطْنِي وَعَرَفَ أنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ، قَالَ: نَدَّمَنِي، فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا صَنَعْتَ شَرِبْتَ شَرَابَ مُحمَّدٍ، فَيَجِيءُ وَلَا يَراهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلِكَ، فَتذْهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ، قَالَ: وَعَليَّ شَمْلَةٌ مِنْ صُوفٍ كُلَّمَا رَفَعْتُ عَلَى رَأسِي خَرَجَتْ قَدَمَايَ، وَإِذَا أرْسَلتُ عَلَى قَدَمَيَّ خَرَجَ رَأسِي، وَجَعَلَ لَا يَجِيءُ لِي نَوْمٌ.
قَالَ: وَأمَّا صَاحِبَايَ فَنامَا، فَجَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يُسَلِّمُ، ثُمَّ أتى المَسْجِدَ فَصَلَّى فَأتَى شَرَابَهُ، فَكَشَفَ عَنْهُ، فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا، فَرَفَعَ رَأسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: قُلتُ: الآنَ يَدْعُو عَليَّ فَأهْلِكُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أطْعِمْ مَنْ أطْعَمَني، وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي» قَالَ: فَعَمَدْتُ إِلَى الشَّمْلَةِ، فَشَدَدْتُها عَليَّ فَأخَذْتُ الشَّفْرَةَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى الأعْنُزِ أجُسُّهُنَّ أيُّهُنَّ أسْمَنُ، فَأذْبَحُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ، فَعَمَدْتُ إِلَى إِنَاءٍ لِآلِ مُحمَّدٍ مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أنْ يَحْلِبُوا فِيهِ، وَقَالَ أبُو النَّضْرِ مَرَّةً أُخْرَى: أنْ يَحتَلِبُوا فِيهِ، فَحَلَبْتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ الرَّغْوَةُ.
ثُمَّ جِئْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أمَا شَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيْلَةَ يَا مِقْدَادُ؟ » قَالَ: قُلتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ الله فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله اشْرَبْ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَأخَذْتُ مَا بَقِيَ فَشَرِبْتُ، فَلمَّا عَرَفْتُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ رَوِيَ فَأصَابَتْنِي دَعْوَتُهُ، ضَحِكْتُ حَتَّى أُلقِيتُ إِلَى الأرْضِ، قَالَ

الصفحة 366