كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور (اسم الجزء: 3)

بدراهم دخلت بينهما حريرة (١)، فياللَّه العجب! كيف اهتدت هذه الحريرة لقلب مفسدة الربا مصلحة ولعنة آكله رحمة وتحريمه إذنًا وإباحة؟
ثم أين القياس (٢) والميزان في إباحة العِينَة التي لا غرض للمرابيين (٣) في السلعة قط، وإنما غرضهما ما يعلمه اللَّه ورسوله وهما والحاضرون من أخذ مئة حالة وبذل مئة وعشرين مُؤجّلة [في ذمته، ثم يبيعها بنقد] (٤)، ليس لهما غرض وراء (٥) ذلك ألبتة، فكيف يقول الشارع الحكيم: إذا أردتم حِلّ هذا فتحيَّلوا عليه بإحضار سلعة يشتريها آكلُ الربا بثمنٍ مؤجل في ذمته ثم يبيعها للمرابي بنقد حاضر فينصرفان على مئة بمئة وعشرين والسلعة حرف جاء لمعنى في غيره؟ وهل هذا إلا عُدُول عن محض القياس وتفريق بين متماثلين في الحقيقة والقصد والمفسدة من كل وجه؟ بل مفسدة الحيل الربوية أعظم من مفسدة الربا الخالي عن الحِيلة، فلو لم تأت الشريعة بتحريم هذه الحيل لكان محضُ القياس والميزان العادل يوجب تحريمها؛ ولهذا عاقب اللَّه سبحانه و [تعالى] (٦) من احتال على استباحة (٧) ما حَرَّمه بما لم يعاقب به من ارتكب ذلك المحرم عاصيًا؛ فهذا من جنس الذنوب التي يُتاب منها، وذاك من جنس البدع التي يظن صاحبها أنه من المحسنين.
والمقصود ذكر تناقض أَصحاب القياس والرأي فيه، وأنهم يُفَرِّقون بين المتماثِلَيْن، ويجمعون بين المُخْتَلفيْن، [كما] (٦) فَرَّقتم بين [ما] (٦) لو وكَّل رجلين معًا في الطلاق فقلتم: لأحدهما أن ينفرد بإيقاعه، ولو وكلهما (معًا) في الخُلع لم يكن لأحدهما أن ينفرد به، وفرقتهم [بين الأمرين] (٦) بما لا يجدي شيئًا، وهو أن الخلع كالبيع وليس لأحد الوكيلين الانفراد به لأنه أشرك بينهما في الرأي ولم يرض بانفراد أحدهما، وأما الطلاق فليس المقصود منه المال، وإنما هو تنفيذ قوله وامتثال أمره، فهو كما لو أمرهما بتبليغ الرسالة، وهذا فَرْق لا تأثير له ألبتة،
---------------
(١) سيأتي تخريجه.
(٢) في (ق): "ثم إن القياس".
(٣) في (ق): "للمرابين".
(٤) ما بين المعقوفتين من (ك) وكتب فوقها أنه كذا في نسخة وفي (ق): "في ذمته" فقط، وسقط من سائر النسخ.
(٥) في (ك) و (ق): "غير".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك). وما بين الهلالين سقط من (ق) وحدها.
(٧) في (ق) و (ك): "إباحة".

الصفحة 33