كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور (اسم الجزء: 3)

جاز؛ ومَنْ نذر الصدقة بمئة شاة فتصدَّق بعشرين تساوي قيمة المئة جاز، ثم ناقضتم فقلتم: لو وجب عليه أُضحيتان فذبح واحدًا سمينًا يساوي وسطين (١) لم يجز، ثم فرّقتم بأن قلتم: المقصود في الأضحية الذبح وإراقة الدم، وإراقةُ دم واحد لا تقوم (٢) مقام إراقة دمين، والمقصود في الزكاة سدُّ خُلّة الفقير وهو يحصل بالأجود الأقل كما يحصل بالأكثر إذا كان دونه (٣)؛ وهذا فرق إن صح لكم [في الأضحية لم يصح لكم] (٤) فيما ذكرناه من الصور، فكيف ولا يصح في الأضحية؟ فإن المقصود في الزكاة (٥) أمور عديدة منها: سدُّ خلَّة الفقير، ومنها إقامة عبودية اللَّه بفعل نفس ما أُمِرَ به، ومنها شكر نعمته عليه في المال، ومنها إحراز المال وحفظه بإخراج هذا المقدار منه، [ومنها المواساة بهذا المقدار لما علم اللَّه فيه من [المصلحة] (٦) مصلحة رب المال ومصلحة الآخذ] (٧). ومنها التعبد بالوقوف عند حدود اللَّه وأن لا يُنْقَص منها ولا تُغيَّر، وهذه المقاصد إن لم تكن أعظم من مقصود إراقة الدم في الأضحية فليست بدونه، فكيف يجوز إلغاؤها واعتبار مجرد إراقة الدم؟ ثم إنَّ هذا الفرق ينعكس عليكم من وجه آخر، وهو أن مقصود الشارع من إراقة دم الهدي والأضحية التقرب إلى اللَّه سبحانه بأجل ما يقدر عليه من ذلك النوع وأعلاه وأغلاه ثمنًا وأنفسه عند أهله، فإنَّه لن يَنَالَه سبحانه لحومُها ولا دماؤها وإنما يناله تقوى العبد منه، ومحبته له، وإيثاره بالتقرب إليه بأَحبِّ شيء إلى العبد وآثره عنده وأنفسه لديه، كما يتقرب المُحبُّ إلى محبوبه بأنفس ما يقدر عليه وأفضله عنده.
ولهذا فطر اللَّه العباد على أن مَنْ تقرَّب إلى محبوبه بأفضل هدية يقدر عليها وأجلها وأعلاها كان أحظى لديه، وأحب إليه ممن تقرب إليه بألف واحد رديء من ذلك النوع. وقد نَبَّه سبحانه على هذا بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ
---------------
(١) في (ق): "سبطين".
(٢) في (ق): "يقود".
(٣) انظر حكمة التشريع في الزكاة، وفرضيتها، ومقاديرها، وفي مستحقيها، ووقتها، ونصابها، ومن تجب عليه في "زاد المعاد" (١/ ١٤٧ - ١٤٨)، و"مفتاح دار السعادة" (ص: ٣٢٩)، و"الوابل الصيب" (ص: ٤٩ - ٦٠).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٥) انظر في ذلك "الموافقات" للشاطبي (٣/ ١٢٠ - ١٢١ - بتحقيقي).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ن) و (ك).
(٧) ما بين المعقوفتين مذكور في (ق) بعد قوله الآتي: "وأن لا ينقص منها ولا تغير".

الصفحة 47