كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور (اسم الجزء: 3)

وفرّقتم بين ما جمع الشارع بينه وجمعتم بين ما فرق بينه، أما الأول فقلتم: يصح صوم رمضان بنية من النهار قبل الزوال، ولا يصح صوم الظهار وكفارة الوطء في رمضان وكفارة القتل إلا بنية من الليل (١)، وفرّقتم بينهما بأن صوم رمضان لمَّا كان معينًا بالشرع أجزأ بنية من النهار، بخلاف صوم الكفارة، وبنَيْتُم على ذلك أنه لو قال: "للَّه عليَّ صوم يوم" فصامه بنية قبل الزوال لم يجزئه، ولو قال: "للَّه عليَّ أن أصوم غدًا" فصامه بنية قبل الزوال جاز، وهذا تفريق بين ما جمع الشارع بينه من صوم الفرض وأخبر أنه لا صيام لمن لم يبيِّتُه من الليل (٢)، وهذا في صوم الفرض، وأما النفل فصح [عنه] أنه كان -صلى اللَّه عليه وسلم-، (٣) يُنشئه بنية من النهار (٤)، فسوَّيتم بينهما في أجزائهما بنية من النهار وقد فَرَّق الشارع بينهما. وفرّقتم بين بعض الصوم المفروض [دون] (٥) بعض في اعتبار النية من الليل وقد سَوَّى الشارع بينهما.
والفرق بالتعيين وعدمه عديم التأثير فإنه وإن تعيَّن لم يصر عبادة إلا بالنية؛ ولهذا لو أمسك عن الأكل والشرب من غير نية لم يكن صائمًا؛ فإذا لم تقارن النية جميع أجزاء اليوم فقد خرج بعضُه عن أن يكون عبادة؛ فلم يُؤد ما أمِرَ به، وتعيينه لا يزيد وجوبه إلا تأكيدًا واقتضاءً؛ فلو قيل: إن المُعيَّن أولى بوجوب النية من الليل من غير المعين لكان أصح في القياس، والقياس الصحيح هو الذي
---------------
(١) انظر مبحث النية عند المؤلف في "زاد المعاد" (١/ ٢٨٨)، و"تهذيب السنن" (٣/ ٣٢٧ - ٣٢٨، ٣٣١ - ٣٣٣).
(٢) أخرجه أبو داود (٢٤٥٤)، والترمذي (٧٣٠)، والنسائي (٤/ ١٩٦، ١٩٧)، وابن خزيمة (١٩٣٣) عن ابن شهاب عن سالم بن عبد اللَّه عن عبد اللَّه بن عمر عن حفصة رفعته: "من لم يبيّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له"، وإسناده صحيح.
وأخرجه أحمد (٦/ ٢٨٧)، وليس فيه ابن عمر، والدارمي (١٧٠٥)، والنسائى (٤/ ١٩٦)، وابن ماجه (١٧٠٥) من طرق عن سالم به.
(٣) زيادة من (ك) و (ق) ووقع في (ق): "وأما النفل فصح أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان ينشئه".
(٤) أخرجه مسلم (١٢٥٤) (كتاب الصيام): باب جواز صيام النافلة بنية من النهار قبل الزوال، وجواز فطر الصائم نفلًا من غير عذر عن عائشة، قالت: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم: يا عائشة! هل عندكم شيء؟ قالت: فقلتُ: يا رسول اللَّه؟ ما عندنا شيء. قال: فإني صائم.
وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في المطبوع و (ن): "و".

الصفحة 49