كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور (اسم الجزء: 3)

جاءت به السنّة من الفرق بين الفرض والنفل؛ فلا يصح الفرض إلا بنية من الليل، والنفل يصح بنية من النهار؛ لأنه يُتسامَح فيه ما لا يتسامح في الفرض، كما يجوز أن يُصلّي النفل قاعدًا وراكبًا على دابته إلى القبلة وغيرها. [وفي] (١) ذلك تكثير النفل وتيسير الدخول فيه، والرجل لما كان مخيَّرًا بين الدخول فيه وعدمه ويخير بين الخروج منه وإتمامه خُيِّر بين التبييت والنية من النهار؛ فهذا محض القياس وموجب السنّة. وللَّه الحمد.
وفرّقتم بين ما جمع اللَّه بينهما من جماع الصائم والمعتكف فقلتم: لو جامع في الصوم ناسيًا لم يفسد صومه، ولو جامع المعتكف ناسيًا فسد اعتكافه وفرّقتم بينهما بأن الجماع من محظورات الاعتكاف، ولهذا لا يباح ليلًا ولا نهارًا، وليس من محظورات الصوم؛ لأنه يباح ليلًا. وهذا فرق فاسد جدًا؛ لأن الليل ليس محلًا للصوم فلم يحرم فيه الجماع؛ وهو محل للاعتكاف فحرم فيه الجماع؛ فنهار الصائم كليل المعتكف في ذلك، ولا فرق بينهما، والجماعُ محظورٌ في الوقتين، ووزان ليل الصائم اليوم الذي يخرج فيه المعتكف من اعتكافه، فهذا هو القياس المحض، والجمع بين ما جمع اللَّه بينه والتفريق بين ما فرق اللَّه بينه، وباللَّه التوفيق.
وقلتم: لو دخل عَرَفَة في طلب بعيرٍ له أو حاجة ولم ينوِ الوقوف أجزأه عن الوقوف، ولو دار حول البيت في طلب شيءٍ سقط منه ولم ينوِ الطواف لم يجزئه، وهذا خروج عن محض القياس، وفَرّقتم تفريقًا فاسدًا فقلتم: المقصود الحضور (٢) بعرفة في هذا الوقت وقد حصل، بخلاف الطواف؛ فإن المقصود العبادة ولا تحصل إلا بالنية، فيقال: والمقصود بعرفة العبادة أيضًا، فكلاهما ركنٌ مأمور به، ولم ينوِ المكلف امتثال الأمر لا في هذا [ولا في هذا؛ فما الذي صحح هذا وأبطل هذا؟ ولما تنبَّه بعضُ القياسيين لفساد هذا] (٣) الفرق عدل إلى فرق آخر؛ فقال: الوقوف ركن يقع في نفس الإحرام، فنية الحج مشتملة عليه، فلا يفتقر إلى تجديد نية، كأَجْزَاء الصلاة من الركوع والسجود ينسحب (٤) عليها نية الصلاة.
---------------
(١) ما بين المعقوفتين غير مقروء جيدًا في (ق)، وفي (ك): "في".
(٢) في (ق): "الحصول" وقال في الهامش: "أكثر العلماء لا يشترطون للوقوف بعرفة النية".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك)، وفي هامش (ك): "لعله: ولما نوى المكلف اعتبار الأمر في هذا الفرق".
(٤) في (ق): "وتشتمل".

الصفحة 50