كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور (اسم الجزء: 3)

وأما الطواف فيقع خارج العبادة (١) فلا تشتمل عليه نية الإحرام فافتقر إلى النية، ونحن نقول لأصحاب هذا الفرق: ردُّونا إلى الأول فإنه أقل فسادًا وتناقضًا من هذا، فإن الطواف والوقوف كلاهما جزء من أجزاء العبادة، فكيف تضمنت [جزءًا من أجزاء] (٢) العبادة لهذا الركن دون هذا؟ وأيضًا فإن طواف المعتمر يقع في الإحرام، وأيضًا فطواف الزيارة يقع في بقية الإحرام، [فإنه إنما] (٣) حل من إحرامه قبله تحللًا أول ناقصًا (٤)، والتحلل الكامل موقوف على الطواف.
وفرّقتم بين ما جمعت السنّة والقياس بينهما فقلتم: إذا أحرم الصبي ثم بلغ فجدد إحرامه قبل أن يقف بعرفة أجزأه عن حجة الإسلام، وإذا أحرم العبد ثم عتق فجدد إحرامه لم يجزئه عن حجة الإسلام، والسنّة قد سَوَّت بينهما، وكذا القياس، فإن إحرامهما قبل البلوغ والعتق صحيح وهو سبب للثواب، وقد صارا من أهل وجوب الحج قبل الوقوف بعرفة فأجزأهما عن حجة الإسلام، كما لو لم يوجد منهما إحرام قبل ذلك، فإن غاية ما وجد منهما من الإحرام أن يكون وجوده كعدمه، فوجود الإحرام السابق على العتق لم يضره شيئًا بحيث يكون عدمه أنفع له من وجوده، وتفريقكم بأن إحرام الصبي إحرام تخلق وعادة وبالبلوغ انعدم ذلك فصح منه الإحرام عن حجة الإسلام، وأما العبد فإحرامه إحرام عبادة لأنه مكلف فصح إحرامه موجبًا فلا يتأتَّى (٥) له الخروج منه حتى يأتي بموجبه فرق فاسد (٦)؛ فإن الصبي مثاب (٧) على إحرامه بالنص، وإحرامه إحرام عبادة -وإن كانت لا تُسقط الفرض- كإحرام العبد سواء.
وفرّقتم بين ما جمع القياس الصحيح بينه فقلتم: لو قال: ["أحِجُّوا فلانًا حجة" فله أن يأخذ النفقة ويأكل بها ويشرب ولا يحج، ولو قال] (٨): "أحِجُّوه عني" لم يكن له أن يأخذ النفقة إلا بشرط الحج (٩)، وفرّقتم بأن في المسألة الأولى أخرج كلامه مخرج الإيصاء بالنفقة له، وكأنه أشار عليه بالحج، ولا حق للمُوصي في الحج الذي يأتي به، فصححنا الوصية بالمال، ولم نُلزِم (١٠) المُوصى
---------------
(١) في (ك) و (ق): "الإحرام".
(٢) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "نية".
(٣) بدل ما بين المعقوفتين في (ق) و (ك): "فإنما".
(٤) في (ك): "وقبل تحلل أول ناقص" وفي (ق): "قبل الطواف تحللًا ناقصًا"
(٥) في (ق) و (ك): "ولا يتأتى".
(٦) "خير تفريقكم السابقة". (و).
(٧) في (ق): "يثاب".
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٩) بعدها في (ق) فراغ يسع نصف سطر.
(١٠) في (ق): "ولا يلزم".

الصفحة 51