كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور (اسم الجزء: 3)

يُعزِّر بالسوط والعصا، وقد يكون (١) لطمه أو ضربه بيده، فأين حرارة السوط ويبسه إلى لين اليد، وقد يزيد وينقص، وفي العقوبة بجنس ما فعله تَحَرِّ للمماثلة (٢) بحسب الإمكان، وهذا أقربُ إلى العدل الذي أمر اللَّه به وأنزل به الكتاب والميزان: فإنه قصاص بمثل ذلك العضو في مثل المحل الذي ضرب فيه بقَدَرِه، وقد يساويه أو يزيد قليلًا أو ينقص قليلًا، وذلك عفو لا يدخل تحت التكليف، كما لا يدخل [تحت] (٣) التكليف المساواة في الكيل والوزن في (٤) كل وجه كما قال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الأنعام: ١٥٢] فأمر بالعدل المقدور، وعفا عن غير المقدور منه، وأما التعزيرُ فإنه لا يسمى قصاصًا، فإن لفظ القصاص يدل على المماثلة، ومنه قَصَّ الأثرَ إذا اتَّبَعه وقَصَّ الحديثَ إذا أتى به على وجهه، والمقاصّة: سقوط أحد الدَّيْنين بمثله جنسًا وصفة، وإنما هو تقويم للجناية، فهو قيمة لغير المُثلى، والعدول إليه كالعدول إلى قيمة المتلف (٥)، وهو ضَربٌ له بغير تلك الآلة في غير ذلك المحل، وهو إما زائدٌ وإما ناقصٌ، ولا يكون مماثلًا ولا قريبًا من المثل، فالأول أقرب إلى القياس، والثاني تقويم للجناية بغير جنسها كبدلِ المُتْلفِ، والنزاع أيضًا فيه واقع إذا لم يوجد مثله من كل وجه كالحيوان والعقار والآنية والثياب وكثير من المعدودات والمذروعات، فأكثر القياسيين (٦) من أتباع الأئمة الأربعة قالوا: الواجبُ في بدل ذلك عند الإتلاف القيمة، قالوا: لأنَّ المثل في الجنس يتعذَّر (٧)، ثم طَردَ أصحابُ الرأي قياسهم فقالوا: وهذا هو الواجب في الصيدُ في الحرم والإحرام إنما تجب قيمته لا مثله كما لو كان مملوكًا. ثم طردوا هذا القياس في القرض فقالوا: لا يجوز قرض ذلك لأنَّ موجب القرض رد المثل، وهذا لا مثل له. [ومنهم من خرج عن] (٨) موجب هذا القياس في الصيد لدلالة القرآن والسنّة وآثار الصحابة [على أنه] (٩) يضمن بمثله من النعم وهو مثل مقيد بحسب الإمكان وإن لم يكن مثلًا من كل وجه وهذا قول الجمهور منهم مالك والشافعي وأحمد، وهم
---------------
(١) في (ك): "ويكون قد".
(٢) في (ق) و (ك): "وقد يزيد وينقص في العقوبة، فأين ما يفعله بتحري المماثلة".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٤) في (ق): "من".
(٥) انظر: "تهذيب السنن" (٦/ ٣٤٠ - ٣٤١ مهم)، و"الداء والدواء" (ص: ٢١٣ - ٢١٤).
(٦) في (ق): "القياسين".
(٧) في (ق): "لأن الجنس في المثل يتعذر"!.
(٨) بدل ما بين المعقوفتين في (ق) بياض.
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

الصفحة 73