كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور (اسم الجزء: 3)

يجوِّزون قرض الحيوان أيضًا كما دلت عليه السنّة الصحيحة؛ فإنه قد ثبت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-[في الصحيح] (١) أنه استسْلَفَ بَكْرًا وقضى جملًا رباعيًا (٢)، وقال: "إن خياركم أحسنكم قضاء" (٣).
ثم اختلفوا بعد ذلك في مُوجب قرض الحيوان، هل يجب رَدُّ القيمة أو المثل؟ على قولين، وهما في مذهب أحمد وغيره، والذي دَلَّت عليه سنّة رِسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الصحيحة الصريحة أنَّه يجب رَدُّ المثل (٤)، وهذا هو المنصوص عن أحمد، ثم اختلفوا في الغَصْب والإتلاف على ثلاثة أقوال، وهي في مذهب أحمد: أحدها: يضمن الجميع بالمثل بحسب الإمكان، والثاني: يضمن الجميع بالقيمة، والثالث: يضمن الحيوان بالمثل (٥) وما عداه كالجواهر ونحوها بالقيمة.
واختلفوا في الجِدار يُهدم، هل يضمن بقيمته أو يُعاد مثله؟ على قولين، وهما للشافعي، والصحيح ما دلت عليه النصوصُ وهو مقتضى القياس الصحيح، وما عداه فمناقض للنص والقياس (٦)؛ لأنَّ الجميع يضمن بالمثل تقريبًا، وقد نص اللَّه سبحانه على ضمان الصيد بمثله من النَّعَم، ومعلوم أن المماثلة بين بعير وبعير أعظم من المماثلة بين النَّعامة والبعير وبين شاة وشاة أَعظم منها بين طير
---------------
(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) "البكر: الفتيّ من الإبل، والرباعي من الإبل: من ألقى السنن الرباعية، وهي ما بين الثنية والناب، ولا يلقى الإبل أسنانها الرباعية إلَّا في السنة السابعة من عمرها، ويقال حينئذ: أنها أربعت" (ط).
(٣) أخرجه مسلم في "الصحيح" (كتاب المساقاة): باب من استسلف شيئًا فقضى خيرًا منه (رقم ١٦٠٠)، من حديث أبي رافع -رضي اللَّه عنه-.
(٤) روى ذلك البخاري (٢٣٠٥) في (الوكالة): باب وكالة الشاهد والغائب جائزة، و (٢٣٠٦) في (الوكالة): في قضاء الديون، و (٢٣٩٠) في (الاستقراض): باب استقراض الإبل، و (٣٢٩٢) باب هل يعطي أكبر من سِنِّه، و (٢٣٩٣) باب حسن القضاء، و (٢٤٠١) في باب لصاحب الحق مقال، و (٢٦٠٦) في (الهبة): باب الهبة المقبوضة، وغير المقبوضة، و (٢٦٠٩) باب من أُهدَي له هدية، وعنده جلساؤه فهو أحق، ومسلم (١٦٠١) في (المساقاة): باب من استسلف شيئًا فقضى خيرًا منه، من حديث أبي هريرة.
(٥) في (د): "والثالث أن الحيوان يضمن بالمثل".
(٦) استدل البخاري بقصة الراهب جريج، وقوله لمَّا قالوا له: "نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلَّا من طين".
وبَوَّب على هذا (باب إذا هدم حائطًا فليبن مثله) باب رقم (٣٥) من كتاب المظالم حديث (٢٤٨٢).

الصفحة 74