كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 30)

ما برح بها إلى الخلائق محسنا، ودين متين يشيد من أمور الآخرة ما بنا، وسؤدد مازال فيه وفى بيته مستوطنا، وأوصانى جميلة خصته بنباهة أضحى بها متقدما [وآراء مسددة أضاءت من سبل] الرشاد ما كان مظلما، ونزاهة مازالت له خلقا لا تخلقا، وعفاف ما برح منه مثريا لا معلقا.
فليباشر هذا المنصب الذى أضحى ظل شرفه وارفا، وكعبة حرمه التى يتوجه إليها من كان باديا أو عاكفا، عاملا فيه بالتقوى التى يحافظ عليها مسرا ومعلنا، ويتمسك بأسبابها إذا صد عنها غيره وانثنى، فهى المعقل الذى لا يستباح له حمى، والمقام الذى يجد الخائف أمنه فيه محققا لا غيبا مرجّما «1» ، والعصمة التى تنجى من العطب، والمركب الذى تجد به الأنفس راحتها الكبرى بعد التعب.
وليول من القضاة من يحيى من الحق سننا، ويميت من الباطل بدعا، ويكون رجاؤه بالاخرة متصلا، ومن الدنيا منقطعا، ليرجع به سبيل الحق بعد ضيقه متسعا، وشمل الباطل بعزيمته مفترقا لا مجتمعا.
وليتفقد أمر العدول الذين أضحوا على الحقيقة عدولا عن المنهج القويم، راغبين عن المحامد بما يأتوته من كل وصف ذميم. ولا يترك منهم إلا شاهدا كان عن المعايب غائبا أو متورها، لا يعتمد من الأمور إلا ما كان واجبا، لتسلم عدالته من وصمه التجريح، وتظهر مساعيه التى تذلل له من العلا كل جموح.
وأموال الأيتام والأوقاف فلا يباشرها إلا من كان لمباشرتها أهلا، ومن تتحقق أنه يكون عليها قفلا. فطالما ابتذلت أيدى الخونة منها مصونا، وجعلت

الصفحة 21