كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 30)

تداعى أركانه مشيد الأركان، وتحصن به من حوادث الزمان فكانت أيامه فى الأيام أبهى من الأعياد، وأحسن من الغرر فى أوجه الجياد، وأحلى من العقود إذا حلى بها عاطل الأجياد» .
«وهذه الأقاليم المنوطة بنظرك تحتاج إلى حكام وأصحاب رأى من أرباب السيوف والأقلام، فإذا استعنت بأحد منهم فى أمرك فنقب عليه تنقيبا، واجعل عليه فى تصرفاته رقيبا، وسل عن أحواله، ففى يوم القيامة تكون عنه مسئولا وبما اجترم مطلوبا، ولا تول منهم إلا من تكون مساعيه حسنات لك لا ذنوبا.
وأمرهم بالأناة فى الأمور والرفق، ومخالفة الهوى إذا ظهرت أدلة الحق، وأن يقابلوا الضعفاء فى حوائجهم بالثغر الباسم والوجه الطلق. وألا يعاملوا أحدا على الإحسان والإساءة إلا بما يستحق، وأن يكونوا لمن تحت أيديهم من الرعية إخوانا، وأن يوسعوهم برا وإحسانا، وألا يستحلوا حرماتهم إذا استحل لهم الزمان حرمانا، والمسلم أخو المسلم، وإن كان أميرا عليه أو سلطانا. فالسعيد من نسج ولاته فى الخير على منواله، واستنوا بسنته فى تصرفاته وأحواله، وتحملوا عنه ما تعجز قدرته عن حمل أثقاله» .
«ومما يؤمرون به أن يمحى ما أحدث من سيىء السنن، وجدّد من المظالم التى هى على الخلائق من أعظم المحن، وأن يشترى بإبطالها المحامد، فإن المحامد رخيصة بأغلى الثمن. ومهما جنى منها من الأموال فإنها فانية «1» وإن كانت حاصله، وأجياد الخزائن وإن أصبحت بها خالية فإنما هى الحقيقة عاطلة. وهل أشقى ممن احتقب إثما، واكتسب بالمساعى الذميمة ذما، وجعل السواد الأعظم يوم القيامة له

الصفحة 33