كتاب الأخلاق الفاضلة قواعد ومنطلقات لاكتسابها

وطريق التخلص من هذا الداء وهذه الأدواء، هو اتّباع ما أرشد إليه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، بأن ينظر إلى من هو أسفل منه!.
نَعم هذا هو الداء وهذا هو الدواء: نظرةٌ خاطئة، دواؤها نظرة صائبة!.
ومعلومٌ أنّ مجال تطبيق هذه القاعدة هذه إنما هو الذي حدده الحديث، وهو المال والخَلْق، أمّا مجال الدِّين والخُلُقِ فالقاعدة فيه بعكس ذلك، وهي أنْ تَنْظر إلى مَن هو أفضل منك؛ لتتأسى به وتُنافسه في ذلك الخيرِ وذلك الفضلِ؛ ومِن هنا جاءت أهمية القدوة الحسنة، ومِن هنا كان الأمر بالتأسي بالرسل والأنبياء وأُولي الفضل والتُّقى الذين أمرتْ بالاقتداء بهم نصوص القرآن والحديث، على عكس أمور الدنيا والحظوظ الشخصية.
يقول الإمام النوويّ: "قال ابن جرير وغيره: هذا حديث جامعٌ لأنواعٍ من الخير؛ لأن الإنسان إذا رأى مَن فُضّل عليه في الدنيا، طَلَبتْ نفسه مِثلَ ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحَرِص على الازدياد؛ لِيَلحق بذلك، أو يقاربه، هذا هو الموجود في غالب الناس، وأمّا إذا نَظَر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها، ظَهَرتْ له نعمة الله تعالى عليه؛ فشَكَرها، وتواضعَ، وفَعَلَ الخير"1.
إنّ نظرك إلى مَن هو أسفل منك في المال أو الخَلق يورثك رؤيةَ نِعَم الله عليك، ويدعوك إلى الحياء من الله والتواضع له وشكره وحَمْده، فهل نحن فاعلون؟! اللهم آمين.
__________
1 شرح النووي لصحيح مسلم: 18/97.

الصفحة 54