كتاب الطبقات الكبرى - متمم الصحابة - الطبقة الرابعة

48 - قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ قَدِمَ وَافِدًا عَلَى مُعَاوِيَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: " يَا مِسْوَرُ: مَا فَعَلَ -[124]- طَعْنُكَ عَلَى الْأُمَّةِ؟ " قَالَ الْمِسْوَرُ: «دَعْنَا مِنْ هَذَا وَأَحْسِنْ فِيمَا قَدِمْنَا لَهُ» . قَالَ مُعَاوِيَةُ: «لَا أَدَعُكَ حَتَّى تَكَلَّمَ بِذَاتِ نَفْسِكَ وَالَّذِي تَعِيبُ عَلَيَّ» قَالَ الْمِسْوَرُ: «فَلَمْ أَدَعْ شَيْئًا أَعِيبُهُ عَلَيْهِ إِلَّا بَيَّنْتُهُ» ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «لَا أَبْرَأُ مِنَ الذَّنْبِ، فَهَلْ تَعُدُّ لَنَا يَا مِسْوَرُ مِمَّا نَلِي مِنَ الْإِصْلَاحِ فِي أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، أَمْ تَعُدُّ الذُّنُوبَ وَتَتْرُكُ الْإِحْسَانَ» قَالَ الْمِسْوَرُ: «لَا وَاللَّهِ مَا نَذْكُرُ إِلَّا مَا نَرَى مِنْ هَذِهِ الذُّنُوبِ» . قَالَ مُعَاوِيَةُ: «فَإِنَّا نَعْتَرِفُ بِكُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْنَاهُ، فَهَلْ لَكَ يَا مِسْوَرُ ذُنُوبٌ فِي خَاصَّتِكَ تَخْشَى أَنْ تُهْلِكَكَ إِنْ لَمْ يَغْفِرْهَا اللَّهُ لَكَ؟» قَالَ الْمِسْوَرُ: «نَعَمْ» . قَالَ مُعَاوِيَةُ: «فَمَا يَجْعَلُكَ بِأَحَقَّ بِرَجَاءِ الْمَغْفِرَةِ مِنِّي؟ فَوَاللَّهِ لَمَا أَلِي مِنَ الْإِصْلَاحِ أَكْثَرُ مِمَّا تَلِي، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ» §لَا أُخَيَّرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مِنَ اللَّهِ وَغَيْرِهِ إِلَّا اخْتَرْتُ اللَّهَ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَإِنِّي لَعَلَى دِينٍ يُقْبَلُ فِيهِ الْعَمَلُ وَيُجْزَى فِيهِ بِالْحَسَنَاتِ وَيُجْزَى فِيهِ بِالذُّنُوبِ إِلَّا أَنْ يَعْفَوَ اللَّهُ عَنْهَا، وَإِنِّي لَأَحْتَسِبُ كُلَّ حَسَنَةٍ عَمِلْتُهَا -[125]- بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْأَجْرِ، وَإِنِّي لَأَلِي أُمُورًا عِظَامًا لَا أَحْصِيهَا، وَلَا يُحْصِيهَا مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ بِهَا فِي الدُّنْيَا: إِقَامَةَ الصَّلَوَاتِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْحُكْمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَالْأُمُورَ الَّتِي لَسْتُ أُحْصِيهَا وَإِنْ عَدَدْتُهَا، فَتَفَكَّرْ فِي ذَلِكَ ". قَالَ الْمِسْوَرُ: «فَعَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ خَصَمَنِي حِينَ ذَكَرَ مَا قَالَ» . قَالَ عُرْوَةُ: «فَلَمْ أَسْمَعِ الْمِسْوَرَ بَعْدُ يَذْكُرُ مُعَاوِيَةَ إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ»

الصفحة 123