كتاب مكارم الأخلاق لابن عثيمين

– عليهما السلام – عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران1, فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه, ثم قال: "صدق الله {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} 2, نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما" 3.
قال الحسين بن علي - رضي الله عنهما -: سألت أبي عن سير النبي صلى الله عليه وسلم في جلسائه فقال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم البشر, سهل الخلق, لين الجانب, ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا عياب ولا مشاح4 يتغافل عما لا يشتهي, ولا يؤيس منه راجيه ولا يُخيب فيه, قد ترك نفسه من ثلاث: المراء, والإكثار, وما لايعنيه, وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً ولا يعيبه, ولا يطلب عورته, ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه, وإذا تكلم أطرق جلساؤه, كأنما على رءوسهم الطير, فإذا سكت تكلموا, لا يتنازعون عنده الحديث, من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ, حديثهم عنده حديث أولهم, يضحك مما يضحكون منه, ويتعجب مما يتعجبون منه, ويصبر للغريب على الجفوة5 في منطقه ومسألته, حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم6, ويقول: "إذا رأيتم
__________
1 يعثران: من العثرة أي يمشي صغير يميل في مشيه.
2 سورة الأنفال الآية: 28.
3 أخرجه الترمذي رقم3774 كتاب المناقب. وقال: حسن غريب إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد. وأخرجه النسائي رقم 1412 كتاب الجمعة. وأبو داود رقم 1109 كتاب الصلاة.
4 مشاح: مفاعلة من الشح وهو شدة البخل.
5 الجفوة: الغلظة وسوء الخلق.
6 أي كان أصحابه يتمنون أن يأتي هؤلاء الأغراب ليستفيدوا من أسئلتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على شدة توفير الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهيبتهم له.

الصفحة 60