كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

(أ) فإما أن تكون بيانا لمجمل ورد في القرآن أو تقييدا لمطلق أو تخصيصا لعام أو امتثالا لأمر فحكم هذه الأفعال هو حكم ما بينته من وجوب أو ندب وإباحة، ويعرف ذلك إما بصريح القول، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (¬1) وقوله في الحج: «خذوا عني مناسككم» (¬2) . وإما بقرائن الأحوال، كقيامه صلى الله عليه وسلم بفعل صالح للبيان عند الحاجة إلى ذلك، كقطعه يد السارق من الرسغ، فإنه بيان لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] (¬3) ففي هذه الأحوال يكون البيان تابعا للمبين في الحكم من حيث الوجوب أو الندب أو الإباحة.
(ب) فإن لم يكن الفعل بيانا لأمر بل ورد ابتداء منه صلى الله عليه وسلم فإما أن تعرف صفته الشرعية أو لا. فإن عرفت صفته من وجوب أو ندب أو إباحة فإن أمته في ذلك مثله وهذا هو الرأي الحق كما قال الشوكاني (¬4) . ودليل ذلك القرآن وفعل الصحابة رضوان الله عليهم. أما القرآن فمثل قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] (¬5) . وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] (¬6) . وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] (¬7) وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] (¬8) وأما الصحابة فقد كانوا يرجعون إلى فعله صلى الله عليه وسلم احتجاجا واقتداء به في مواضع كثيرة، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تقبيل الحجر الأسود،
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان. باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة 1 / 162- 163.
(¬2) أخرجه مسلم في كتاب الحج. باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا 2 / 493، والنسائي. كتاب المناسك. باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم 5 / 269- 270.
(¬3) سورة المائدة، آية (38) .
(¬4) انظر: إرشاد الفحول، ص26.
(¬5) سورة الحشر، آية (7) .
(¬6) سورة آل عمران، آية (31) .
(¬7) سورة النور، آية (63) .
(¬8) سورة الأحزاب، آية (21) .

الصفحة 109