كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] (¬1) .
فأمر الله المؤمنين برد قضاياهم وما تنازعوا فيه إلي كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أن ذلك خير لهم في الدنيا وأحسن عاقبة في الأخرى، وفي الأمر بالرد إلى كتاب الله وسنة رسوله دلالة صريحة على أنهما كافيان لفصل النزاع وتقديم الحل لكل مشكلة تقع بين المسلمين. وإن إيمان المؤمن ليحمله على الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله آنا بعد آن لمعرفة حكم الشرع في كل ما يجد له من أمور الحياة.
وفائدة هذا الأمر عظيمة جدا، إذ يظل المسلم على جادة الاتباع لا يحيد عن الصراط المستقيم طالما أحسن الرجوع إلى الكتاب والسنة، وقد أمر الله بتحكيم نبيه- في حياته وسنته بعد مماته- في كالله أنواع النزاع للفصل فيها فقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] (¬2) .
فأقسم سبحانه بذاته على أنه لا يثبت للمؤمنين الإيمان حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع في كافة الأمور وأن هذا التحكيم غير كاف حتى يجتمع إليه الرضى بحكمه والتسليم لأمره مع انشراح صدورهم وطيب نفوسهم بقضائه وحكمه.
وأصل ذلك أن المسلم متبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كافة أحواله فإذا عرض له أمر أو تنازع مع أخيه المسلم في أي شأن من شئون الدين أو الدنيا فزع عند ذلك إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يجد فيها جوابا شافيا كما كان حال الصحابة معه صلى الله عليه وسلم في حياته، يفزعون إليه يسألونه في كافة أمورهم، ويحتكمون إليه في كل شئونهم، فإذا حكم بشيء قبلوا حكمه وسلموا به عن طيب نفس ورضى.
¬_________
(¬1) سورة النساء، آية (59) .
(¬2) سورة النساء، آية (65) .

الصفحة 128