كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

وبعد موته عليه الصلاة والسلام كان الصحابة إذا اختلفوا في أمر أو خفي عليهم حكمه تحاكموا إلى من يعلم بالسنة فيما اختلفوا فيه، فإذا ثبتت عندهم السنة لم يتجاوزوها إلى غيرها.
فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «أذكر الله امرأ سمع من النبي في الجنين شيئا؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة، فقال: كنت بين جاريتين لي، يعني ضرتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح (¬1) فألقت جنينا ميتا، فقضى فيه رسول الله بغرة (¬2) فقال عمر: لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره.» (¬3) .
وأخرج الشافعي بسنده عن سعيد بن المسيب: «أن عمر بن الخطاب كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا. حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه: أن يورث امرأة أشيم الضبابي (¬4) من ديته. فرجع إليه عمر» (¬5) .
وقد جمع الإمام الشافعي جملة من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم تؤكد
¬_________
(¬1) المسطح: هو عود من أعواد الخباء أو الفسطاط " الخيمة ".
انظر: النهاية في غريب الحديث. لابن الأثير، تحقيق محمود الطناحي مطبعة عيسى الحلبى، مصر، 4 / 330.
(¬2) الغرة: العبد أو الأمة، والغرة هي ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد أو الإماء، قال ابن الأثير: (وإنما تجب الغرة في الجنين إذا سقط ميتا، فإن سقط حيا ثم مات ففيه الدية كاملة. انظر- النهاية في غريب الحديث، 3 / 353.
(¬3) أخرجه الشافعي في الرسالة 427.
وأصل الحديث أخرجه البخاري عن أبي هريرة في كتاب الديات. باب جنين المرأة وأد العقل على الولد، 14 / 9- 15. وانظر فتح الباري، 12 / 164- 252.
(¬4) أشيم الضبابي صحابي قتل خطأ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، طبع دار الكتاب العربي، بيروت، 1 / 67.
(¬5) رواه الشافعي في الرسالة 426، وأحمد في المسند، 3 / 452، والترمذي في أبواب الفرائض، باب ما جاء في توريث المرأة من دية زوجها وقال حديث حسن صحح، 3 / 288، والحديث صححه الهيثمي من رواية الطبراني. انظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي، ط3، 4 / 230 - 231، دار الكتاب العربي بيروت.

الصفحة 129