كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

أخذهم بالسنة متى ثبتت واطراح كل رأى يخالفها وإن كان قد جرى عليه العمل (¬1) ولنا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة أعظم الأسوة في التمسك بالسنة وتحكيمها في كافة أمورنا.
وتحكيم السنة والتحاكم إليها هو الفارق بين المسلم الحريص على اتباع السنة وبين من يتبع هواه بغير هدى من الله. فمن تحاكم إلى غير الوحي فقد تحاكم إلى الطاغوت، وذلك كحال من يتحاكم إلى أدلة العقول المبنية على المنطق اليوناني وهذا هو شأن الفلاسفة وأهل الكلام، ومثل ذلك من يتحاكم إلى الذوق والوجد أو مشايخ الطريق وهذا هو حال الصوفية.
أو كالشيعة الذين يتحاكمون إلى الأئمة المعصومين بزعمهم، ويلتحق بأولئك من يتحاكمون إلى القوانين الوضعية، أو أي مبدأ من المبادئ الهدامة أو عرف من الأعراف البشرية السائدة أو غير ذلك مما تحتكم إليه الجاهلية قديما وحديثا معرضين بذلك عن الحكم بكتاب الله وسنة رسوله والتحاكم إليهما.
وهذا الإعراض والصدود هو حال المنافقين في كل زمان ومكان وإن زعموا أنهم يريدون بذلك إحسانا وتوفيقا، أو أنهم يعملون لمصلحة الأمة وقد نبه الله على صنيعهم وأبان عن سوء حالهم فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا - وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا - فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا - أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 60 - 63] (¬2)
¬_________
(¬1) انظر الرسالة، ص422، وما بعدها.
(¬2) سورة النساء، آيات (60-63) .

الصفحة 130