كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

قال ابن القيم:
(. . . . إن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته (¬1) ثالثا: الرضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه: من مظاهر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم الرضى بحكمه وشرعه وهذا الأمر تابع للرضا بالله ربا وإلها، فمن رضي بالله ربا، رضى بالرسول الذي أرسله والدين الذي أنزله. فمن حصل له ذلك فهو السعيد حقا.
أخرج مسلم بسنده عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا» (¬2) فإذا رضي المسلم بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا لم يلتفت إلى غير هديه، ولم يعول في سلوكه على غير سنته وحكمه وحاكم إليه وقبل حكمه وانقاد له وتابعه واتبعه، ورضي بكل ما جاء به من عند ربه، فسكن قلبه لذلك واطمأنت نفسه وانشرح صدره، ورأى نعمة الله عليه وعلى الخلق- بهذا النبي صلى الله عليه وسلم وبدينه- أعظم من
¬_________
(¬1) إعلام الموقعين، 1 / 50.
(¬2) صحيح مسلم. كتاب الإيمان. باب الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا فهو مؤمن وإن ارتكب المعاصي الكبار، 1 / 62.

الصفحة 131