كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

(تجلى الحق لنفسه في الأزل قبل أن يخلق الخلق، وقبل أن يعلم الخلق وجرى له في حضرة أحديته مع نفسه حديث لا كلام فيه ولا حروف، وشاهد سبحات ذاته في ذاته، في الأزل حيث كان الحق ولا شيء معه، نظر إلى ذاته فأحبها، وأثنى على نفسه فكان هذا تجليا لذاته في ذاته في صورة المحبة المنزهة عن كل وصف وكل حد، وكانت هذه المحبة علة الوجود والسبب في الكثرة الوجودية ثم شاء الحق سبحانه أن يرى ذلك الحب الذاتي ماثلا في صورة خارجية يشاهدها ويخاطبها فنظر في الأزل، وأخرج من العدم صورة من نفسه لها كل صفاته وأسمائه وهي آدم الذي جعله الله صورته أبد الدهر، ولما خلق آدم على هذا النحو عظمه ومجده فاختاره لنفسه، وكان من حيث ظهور الحق بصورته فيه وبه، هو هو) (¬1) فالحلاج في هذا النص يؤكد على مذهبه في الحلول، وأن الإله قد حل في آدم، فصار بذلك الإنسان الإلهي، أي الذي حلت روح الإله فيه. والمقصود بآدم عند الحلاج ومن- سلك مسلكه من فلاسفة الصوفية- هو النوع الإنساني ابتداء بآدم واستمرارا في الأنبياء حتى محمد صلى الله عليه وسلم والأولياء من بعده. وكلام الحلاج في هذا النص كله من قبيل التصوف الفلسفي الوثني عن بداية الخلق متأثرا في ذلك بالفلسفة الأفلاطونية الحديثة وقد كذبهم الله تعالى بقوله {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51] (¬2) لكن يهمنا في هذا المجال موقف الحلاج من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يدور حول النور المحمدي! . إذ يرى الحلاج أن للنبي صلى الله عليه وسلم صورتين مختلفتين:
(أ) صورته نورا أزليا قديما كان قبل أن يوجد العالم ومنه استمد كل علم وعرفان حيث أمد الأنبياء السابقين عليه والأولياء اللاحقين به.
¬_________
(¬1) المصدر نفسه، ص 361، نقلا عن الطواسين للحلاج، ص 129- 130.
(¬2) سورة الكهف، آية (51) .

الصفحة 168