كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

نور أنور وأظهر وأقدم من القدم سوى نور صاحب الكرم، همته سبقت الهمم، ووجوده سبق العدم واسمه سبق القلم لأنه كان قبل الأمم " (¬1) . هذا هو مفهوم الحقيقة المحمدية عند ابن عربي فما هي خصائصها وما علاقتها بالعالم المادي والروحي كما للحقيقة المحمدية- عند ابن عربي - عدة وظائف في العالم المادي والروحي فمن ناحية صلتها بالعالم المادي تعتبر مبدأ خلق العالم إذ هي النور الذي خلقه الله قبل كل شيء وخلق منه كل شيء، كما يقول ابن عربي (بدء الخلق الهباء وأول موجود فيه الحقيقة المحمدية الرحمانية) (¬2) .
، ويقول (أنه سبحانه تجلى بنوره إلى " ذلك الهباء. . . فقبل منه تعالى كل شيء في ذلك الهباء وعلى حسب قوته واستعداده كما تقبل زوايا البيت نور السراج، وعلى قدر قربه من ذلك النور يشتد ضوؤه وقبوله. قال تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35] (¬3) فشبه نوره بالمصباح فلم يكن أقرب إليه قبولا في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل فكان سيد العالم بأسره، وأول ظاهر في الوجود، فكان وجوده من ذلك النور الأزلي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية وفي الهباء وجد عينه، وعين العالم من تجليه وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب (¬4) . وأسرار الأنبياء أجمعين (¬5) ومن ناحية صلتها بالإنسان يعتبرها ابن عربي صورة كاملة للإنسان الكامل الذي يجمع في نفسه جميع حقائق الوجود ولذلك يسميها آدم الحقيقي والحقيقة الإنسانية (¬6) . أما من ناحية صلتها بالعالم الروحي فيعتبرها مصدر كل وحي وإلهام وكشف للأنبياء والأولياء على السواء فهي منبع الوحي والعلم الباطني، والأصل الذي يأخذ عنه الأنبياء والأولياء.
¬_________
(¬1) الكشف عن حقيقة الصوفية، ص 263، نقلا عن أخبار الحلاج ص11.
(¬2) الفتوحات المكية، 1 / 118.
(¬3) سورة النور، آية (35) .
(¬4) تفوح من هذا النص رائحة التشيع عند ابن عربي بالإضافة إلى الغلو.
(¬5) الفتوحات المكية، 1 / 119.
(¬6) انظر: التعليقات على الفصوص، ص 320.

الصفحة 181