كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

واعتقاد ابن عربي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بحقيقته موجودا استنادا إلى حديث " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين " اعتقاد باطل لبطلان هذا الحديث وعدم صحته وثبوته وعلى فرض صحته فإنه لا يؤدى إلى نفس المعنى لأن الأشياء لا تكون موجودة بحقائقها إلا حين توجد، ولا فرق في ذلك بين الأنبياء وغيرهم ولم تكن حقيقته - صلى الله عليه وسلم - موجودة قبل أن يخلق إلا ما كانت حقيقة غيره بمعنى أن الله علمها وقدرها.
لكن كان ظهور خبره واسمه مشهورا أعظم من غيره، فإنه كان مكتوبا في التوراة والإنجيل وقبل ذلك (¬1) كما روى الإمام أحمد في مسنده عن العرباض ابن سارية، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني عبد الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، وكذلك ترى أمهات النبيين صلوات الله عليهم» (¬2) . .
وحديث ميسرة الفجر: «قلت يا رسول الله، متى كنت نبيا؟ وفي لفظ متى كتبت نبيا؟ قال: " وآدم بين الروح والجسد» (¬3) . .
قال ابن تيمية:
(ولهذا يغلط كثير من الناس في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه ميسرة قال: «قلت يا رسول الله متى كنت نبيا؟ وفي رواية - متى كتبت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد» . فيظنون أن ذاته ونبوته وجدت حينئذ، وهذا جهل فإن الله إنما نبأه على رأس أربعين من عمره وقد قال له: (. . {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3] (¬4) .
¬_________
(¬1) انظر مجموع الفتاوى، 2 / 236 - 239.
(¬2) المسند، 4 / 127، 128، وأخرجه الحاكم في المستدرك، 2 / 600، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(¬3) أخرجه أحمد في المسند 5 / 59، والحاكم في المستدرك، 2 / 608 - 609، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح، 8 / 223.
(¬4) سورة يوسف، آية: 3.

الصفحة 185