كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

. . ومن قال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان نبيا قبل أن يوحى إليه فهو كافر باتفاق المسلمين، وإنما المعنى أن الله كتب نبوته فأظهرها وأعلنها بعد خلق جسد آدم وقبل نفخ الروح فيه، كما أخبر أنه يكتب رزق المولود وأجله وعمله وشقاوته وسعادته بعد خلق جسده، وقبل نفخ الروح فيه. . . . وكثير من الجهال المصنفين وغيرهم يرويه " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين " " وآدم لا ماء ولا طين " ويجعلون ذلك وجوده بعينه وآدم لم يكن بين الماء والطين بل الماء بعض الطين لا مقابله " (¬1) . .
وإذا ثبت بطلان كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - موجودا بحقيقته قبل خلق السماوات والأرض فقد انهدم أكبر أساس بنى عليه ابن عربي نظريته في الحقيقة المحمدية.
ثم إن قوله إن الحقيقة المحمدية هي أكبر مظهر تجلى فيه الإله أو أنها هي الله متعينا في أول تعيناته قول لا دليل عليه - فوق أنه كفر - بل الدليل قائم على بطلانه عقلا وشرعا لأن الخالق غير المخلوق، ولو قلنا بأن الخالق هو المخلوق لما كان هناك خلق أصلا.
وهو الذي يؤمن به ابن عربي إذ حاصل كلامه إنكار الخلق والقول بقدم العالم، وقوله عن الحقيقة المحمدية بأنها مبدأ خلق العالم وسبب وجوده. قول مصادم للنصوص الشرعية التي بينت أن مبدأ خلق العالم هو الماء والعرش كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] (¬2) . الآية.
وقوله - صلى الله عليه وسلم: «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء» . . . " (¬3) . الحديث (¬4) . . الحديث.
¬_________
(¬1) الفتاوى، 8 / 282 - 283.
(¬2) سورة هود، آية (7) .
(¬3) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد. باب وكان عرشه على الماء، 9 / 152.
(¬4) وأما حديث: أول ما خلق الله القلم، ثم قال اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة. المسند، 5 / 317. فالأولية في هذا الحديث مقيدة بالنسبة لما عدا العرش والماء. أو بالنسبة لما صدر منه من الكتابة، أي قيل له أول ما خلق: اكتب. انظر: فتح الباري 6 / 289. وشرح العقيدة الطحاوية، ص294 - 296.

الصفحة 186