كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

كما بين القرآن أن الغاية من الخلق هي أن يعبد الله بما شرع، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (¬1) .
وقول ابن عربي بأن الحقيقة المحمدية هي التي أمدت الأنبياء والأولياء بالعلم الباطن قول ينفي الوحي والنبوة والرسالة، إذ النبوة والرسالة متوقفة على الوحي الذي نزل به الملك على كل نبي.
والنتيجة التي يريد ابن عربي أن يصل إليها هي الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. واتخذ ابن عربي في سبيل تحقيق ذلك. الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدرجة مساواته بالله عز وجل، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وقد يتوهم بعض الناس حين يظن أن معنى هذا الكلام أننا ننفى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نور كما وصفه القرآن بذلك.
والحق أنه ليس معنى وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه نور. أنه مخلوق من نور كما يزعم الصوفية، وإنما معناه أنه - صلى الله عليه وسلم - هاد لمن اتبعه، منير له طريق الهدى وسبيل الرشاد بإذن ربه، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا - وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45 - 46] (¬2) . وقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15] (¬3) .
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية:
(يقول جل شأنه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب: قد جاءكم يا أهل التوراة والإنجيل من الله نور. يعنى بالنور محمدا - صلى الله عليه وسلم - الذي أنار الله به الحق وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك فهو نور لمن استنار به يبين الحق) (¬4) .
¬_________
(¬1) سورة الذاريات، آية (56) .
(¬2) سورة الأحزاب، آية (45-46) .
(¬3) سورة المائدة، آية (15) .
(¬4) تفسير الطبري، 4 / 104.

الصفحة 187