كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

ولو كان المراد من ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخلوق من نور لصرح القرآن بذلك أتم تصريح ووضحه أوضح بيان، ولما كان هناك داع لوصفه بالبشرية. ولكننا نجد نصوص الشرع تؤكد على بشرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110] (¬1) .
وأخرج البخاري بسنده عن أم سلمة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار» (¬2) .
وأخرج مسلم بسنده عن عبد الله بن مسعود قال. «صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسا فقلنا يا رسول الله أزيد في الصلاة؟ قال وما ذاك؟ قالوا صليت خمسا. قال " إنما أنا بشر مثلكم. أذكركما تذكرون. وأنسى كما تنسون " ثم سجد سجدتي السهو» (¬3) . .
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - نور بالمعنى القرآني - لا كما يزعم الصوفية - وهو بشر كغيره من الأنبياء السابقين. وصلته بربه صلة العبد المخلوق بمولاه كما قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1] (¬4) . وقوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] (¬5) .
فوصفه الله بالعبودية في أشرف مقاماته - صلى الله عليه وسلم - وهو مقام القرب من ربه.
¬_________
(¬1) سورة الكهف، آية (110) . وسورة فصلت، آية (6) .
(¬2) سبق تخريجه، ص 22.
(¬3) سبق تخريجه، ص 22.
(¬4) سورة الإسراء، آية (1) .
(¬5) سورة النجم، آية (10) .

الصفحة 188