كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

الإلهية استحقاق الأصالة والملك بحكم المقتضى الذاتي فإنه المعبر عن حقيقته بتلك العبارات، والمشار إلى لطيفته بتلك الإشارات ليس لها مستند في الوجود إلا الإنسان الكامل، فمثاله للحق مثال المرآة التي لا يرى الشخص صورته إلا فيها، وإلا فلا يمكنه أن يرى نفسه إلا بمرآة الاسم " الله " فهو مرآته، والإنسان الكامل أيضا مرآة الحق. فإن الحق تعالى أوجب على نفسه ألا ترى أسماؤه ولا صفاته إلى في الإنسان الكامل) (¬1) وتصور كلامهم في هذا الباب كاف لإثبات بطلانه (¬2) .
(ب) أما اعتقادهم في الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيخالف اعتقاد عامة المسلمين في جوانب كثيرة: فإذا كان المسلمون يعتقدون أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - وجميع الأنبياء والرسل من قبله بشر مثل بقية البشر في كل شيء غير أنهم مفضلون بالوحي وبخصائص تناسب نبوتهم ورسالتهم. وهذا هو الاعتقاد الصحيح الذي نطق به القرآن والسنة وأجمع عليه المسلمون على مر العصور.
حتى جاء ملاحدة الصوفية وحولوا أتباعهم عن هذا الاعتقاد الصحيح إلى عقيدة وثنية تجعل من محمد - صلى الله عليه وسلم - المجلي الأعظم للذات الإلهية وأنه الواسطة بين الوجود المطلق وهو الله وبين عالم الطبيعة وبالتنزل صار محمدا هو الإله عندهم وقد سبق في النصوص ما يؤيد ذلك، ويؤمن المسلمون بأن أول ما خلق الله هو الماء والعرش ثم القلم ثم خلق السماوات والأرض كما بين ذلك الله ورسوله (¬3) .
ولكن الصوفية تعتقد بأن أول ما خلق الله هو محمد - صلى الله عليه وسلم - ومنه خلق كل شيء ولما كانت نصوص الشرع على خلاف ذلك والآيات والأحاديث تبين أن أول ما خلق الله هو الماء والعرش ثم القلم، حاولوا التوفيق بين ضلاهم وبين
¬_________
(¬1) الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر. عبد الكريم الجيلي، ط3، مصطفى الحلبي، مصر، 1390هـ، 2 / 73 - 77.
(¬2) انظر مناقشة الحقيقة المحمدية وبيان بطلانها في المبحث السابق، ص187 وما بعدها.
(¬3) انظر مناقشة الحقيقة المحمدية وبيان بطلانها في المبحث السابق، ص187 وما بعدها.

الصفحة 197