كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

1 - إما لأستلذاذه بإدراكه كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة والأطعمة والأشربة اللذيذة وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له.
2 - أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء، وأهل المعروف المأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء.
3 - أو يكون حبه إياه لمرافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها) (¬1) .
وعلى ذلك فهذا الميل إما أن يكون حسيا أو عقليا أو قلبيا. وعلى هذه الجوانب الثلاثة- منفردة أو مجتمعة- يقوم الحب في القلب، فما وافقها مال إليه القلب وأحبه، وما خالفها نفر عنه وكرهه.
وأصل الحب قوة في القلب تحرك إرادة الإنسان لتحصيل المحبوبات أصلا، ودفع المكروهات تبعا، فتميل النفس إلى الشيء إن كان محبوبا وتنفر عنه إن كان مكروها (¬2) .
ويتوقف تعلق النفس بالشيء حبا، أو النفور عنه كرها على الإدراك الفطري أو الكسبي.
فالحب إذن ثمرة الإدراك والمعرفة، فكلما كانت المعرفة أتم كان الحب أقوى والعكس صحيح.
لأجل هذا كان الناس متفاوتين في حبهم للأشياء والأشخاص تفاوتا بينا تبعا لتفاوت إدراكهم ومعرفتهم.
وإذا كانت وسائل المعرفة والإدراك لدى المرء سليمة وصحيحة أحب الإنسان ما ينفعه ويصلحه، وإلا أحب الضار يحسبه نافعا والفاسد يحسبه صالحا.
¬_________
(¬1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى. للقاضي عياض اليحصبي طبع دار الكتب العلمية، بيروت، 1399، هـ - 2 / 29 - 30.
(¬2) انظر. رسالة العبودية، ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية، 10 / 192.

الصفحة 33