كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع
التفرق والاختلاف، والعداوة والبغضاء، وتفرق أهل القبلة على فرق شتى وطرائق قددا، واتخذ النفاق فرصته السانحة في توسيع شقة الخلاف، ورفعت الزندقة رأسها، ودخلت معترك الفرق بقديم حقدها، وكوامن غيظها. كيدا لهذا الدين الذي قوض أركانها، وأذهب من الأرض سلطانها. استمال هؤلاء الزنادقة الأغرار بالعقائد الباطلة، واستغلوا الفتن التي وقعت بتدبيرهم في تزيين الكفر وإلباسه ثوب الغلو في علي رضي الله عنه وآل البيت من ذريته. حتى خرجوا بأكثر الناس من الإسلام إلى مذاهبهم الباطلة.
وتوارث أخلافهم سنتهم في الغلو. فغلوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخرجوه من نطاق البشرية إلى مرتبة الألوهية، ونسبوا إلى الله ورسوله ما لا يليق من صنوف الكفر والبهتان، الهادمة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من أصول الإسلام والإيمان. وزعموا أنهم بذلك يريدون إظهار حبه وتعظيمه، وأوهموا المخدوعين بهم أنهم أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم حبا له. وحاولوا إخفاء زندقتهم بدعاوي الزهد والتنسك والتصوف. فمال إليهم الأغرار، وظنوا أنهم من الأبرار الأخيار، وأنهم أحباب النبي المصطفى المختار.
ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فقيض سبحانه من عباده المخلصين، وحزبه المفلحين من أزاح الغشاوة عن الأبصار، وبين للناس زيف الزنادقة الأشرار، وأنهم لا يريدون إلا هدم الدين وتغيير سنة خاتم المرسلين. فتتبعوا أقوالهم وأحوالهم، وكشفوا عن وجوه زندقتهم. حتى غدا أمرهم لأولي الأبصار مكشوفا واضحا، وتبين لأولي النهى من كان لله ورسوله محبا صادقا، ومن كان في دعوى المحبة دجالا كاذبا، ولإفساد دين المسلمين ساعيا.
ولما كانت محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي دعوى الفريقين ومتنازع الحزبين. أردت أن أجلي في هذا البحث عن وجه الحقيقة كاشفا عن الصواب، مستعينا بالعزيز الوهاب، ورغبت في تحرير محل النزاع، فأسميته (محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بين الاتباع والابتداع) .
الصفحة 4
330