كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

وإن كان على خلاف هوى النفس. لأن نفوسنا تدعونا إلى الهلاك، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى النجاة فكان أولى بنا من أنفسنا صلى الله عليه وسلم.
وحينما أيقن المسلمون الأولون بذلك أعزهم الله ومكن لهم في الأرض. فلما غلبت الأهواء واتبعت الشهوات صار الحال مبدلا معكوسا. ذلة وهوان بعد عزة وضياع وتفرق بعد القوة والتمكين. والسبب هو تقديم الأهواء وشهوات الأنفس عل ما يحبه الله ورسوله.
الأدلة من السنة: وقد جاءت الأحاديث لتؤكد مدلول هاتين الآيتين- أبلغ تأكيد وأوضحه ألا وهو وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فمنها ما أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده» (¬1) وأخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» (¬2) .
فهذان الحديثان من أوضح الأدلة على وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن المؤمن لايستحق اسم الإيمان الكامل ولا يدخل في عداد الناجين حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. والتعبير " بأحب " دليل صريح كل أن المحبة المطلوبة شرعا هي المحبة الراجحة، وأن الإيمان الكامل متوقف على رجحان هذه المحبة في القلب على ما سواها من محبة سائر المخلوقين.
وخص الوالد والولد بالذكر لكونهما أعز خلق الله على الإنسان، بل ربما كانا أحب إليه من نفسه، وفي هذا تأكيد على أنه يجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى نفس المؤمن من كل حبيب وعزيز عليه من سائر البشر جميعا (¬3) .
¬_________
(¬1) صحيح البخاري. كتاب الإيمان. باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان 1 / 10.
(¬2) صحيح البخاري كتاب الإيمان. باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان 1 / 10. ومسلم. كتاب الإيمان. باب وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 1 / 10.
(¬3) انظر فتح الباري، 1 / 59.

الصفحة 45