كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

ونفى الإيمان في هذا الحديث هو نفى لكمال الإيمان الواجب الذي ينجو به صاحبه من الوعيد ويستحق دخول الجنة بفضل الله. وذلك لأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من واجبات الإيمان فمن أخل بها فقد أخل بواجب من واجبات الإيمان التي لا يتم الإيمان بدونها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(والمقصود هنا أن كل ما نفاه الله ورسوله من مسمى أحماء الأمور الواجبة كاسم الإيمان، والإسلام والدين والصلاة والصيام والطهارة والحج، وغير ذلك فإنما يكون لترك واجب من ذلك المسمى، ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] (¬1) .
فلما نفى- الإيمان - حتى توجد هذه الغاية، دل على أن هذه الغاية فرض على الناس، فمن تركها كان من أهل الوعيد، لم يكن قد أتى بالإيمان الواجب الذكي وعد أهله بدخول الجنة بلا عذاب، فإن الله إنما وعد بذلك من فعل ما أمر به وأما من فعل بعض الواجبات وترك بعضها فهو معرض للوعيد) (¬2) .
فنفي الإيمان عند عدم وجود المحبة الراجحة يدل على أنها واجبة وإن من لم يأت بها فقد تعرض للوعيد، فإن الله ورسوله لا ينفيان اسم مسمى أمر- أمر به الله ورسوله - إلا إذا ترك بعض واجباته، فأما إذا كان الفعل مستحب في العبادة لم ينفها لانتفاء المستحب، ولو صح هذا لنفي عن جمهور المؤمنين اسم الإيمان والصلاة والزكاة والحج وحب الله ورسوله لأنه ما من عمل إلا وغيره أفضل منه، وليس أحد يفعل أفعال البر مثل ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا أبو بكر ولا عمر، فلو كان من لم يأت بكمالها المستحب يجوز نفا عنه لجاز أن ينفى عن جمهور المسلمين من الأولين والآخرين وهذا لا يقوله عاقل. فإن قال
¬_________
(¬1) سورة النساء، آية (65) .
(¬2) مجموع الفتاوى، 7 / 15 وما بعدها.

الصفحة 46