كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك» (¬1) .
(و) إن الله جعله رحمة للعالمين، الإنس والجن، رحمة للمؤمنين منهم، بالعز في الدنيا والنجاة في الآخرة، وللكافرين بإمهالهم وتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة. كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] (¬2) .
قال ابن القيم:
(وأصح القولين في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] إنه باق على عمومه وفيه على هذا التقدير وجهان:
أحدهما: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته، أما أتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة، وأما أعداؤه المحاربون له، فالذين عجّل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم، لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر، وأما المعاهدون له فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شرا بذلك العهد من المحاربين له. وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيرها.
وأما الأمم النائية عنه فإن الله سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته.
الوجه الثاني: أنه رحمة لكل أحد، لكن المؤمنين قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا وأخرى، والكفار ردوها، فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم لكن لم يقبلوها) (¬3) .
¬_________
(¬1) صحيح مسلم. كتاب المساجد. باب النهي عن بناء القبور مساجد 1 / 375- 376.
(¬2) سورة الأنبياء، آية (107) .
(¬3) جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام لابن القيم. تحقيق طه يوسف شاهين، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، ص98 - 99.

الصفحة 56