كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

ولأجل هذا كان الصحابة أشد الخلق حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم عاشوا الجاهلية وعاينوها عن قرب فلما جاء الإسلام وأدركوا الفرق بين الظلمات والنور ازداد تمسكهم بالإسلام واشتد حبهم على مر الأيام لهذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم.
أما عظيم إحسانه إلى أمته، فلأنه كان سبب انتفاع هذه الأمة بحياتها وأرواحها وأبدانها.
بل كان هو السبب- بإذن ربه- في حياة هذه الأمة كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] (¬1) الآية.
وإذا كان الإنسان يحب أبويه لكونهما وسيلة وجوده، ولأنهما منحاه الرعاية والعناية حتى استطاع شق طريقه في الحياة.
فرسول الله أولى بذلك الحب لأنه كان سبب انتفاع الإنسان بحياته وبدنه وروحه. فلولا الإيمان به واتباع دينه لكان الإنسان في درجة الحيوانات أو أحط كما كانت حال الجاهلية قبل أن تشرق عليهم شمس النبوة وهكذا الشأن في كل جاهلية قديما وحديثا.
خامسا: ما خصه الله به من كريم الخصال ورفيع الأخلاق مما ميزه على سائر الخلق أجمعين: ولو لم تكن له معجزة إلا أخلاقه العظيمة لكفت دليلا على صدق نبوته وسمو تعاليم رسالته.
والمطالع في سيرته صلى الله عليه وسلم ومواقفه المتعددة يجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز من كل خلق أرفعه، وتسنم ذرى الأخلاق حتى سما بها، فكان كما وصفه ربه بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] (¬2) .
¬_________
(¬1) سورة الأنفال، آية (24) .
(¬2) سورة القلم، آية (4) .

الصفحة 61