كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم هو من أطاعه واقتدى به وآثر ما يحبه الله ورسوله على هوى نفسه، وظهرت أثار ذلك عليه من موافقته في حب ما يحبه وبغض ما يبغضه.
ويؤكد القاضي عياض على ارتباط هذه المحبة بالموافقة والاتباع فيقول: (اعلم أن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقا في حبه وكان مدعيا، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها:
الاقتداء به واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] (¬1) وإيثار ما شرعه على هوى نفسه وموافقة شهواته، قال الله تعالى {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] (¬2) (¬3) .
وقد استفاضت نصوص الكتاب والسنة في تعظيم شأن الاتباع وبيان أهميته، وأن سعادة المسلم في الدارين موقوفة على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن شقاء من شقي وهلاك من هلك إنما كان بسبب مخالفته لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنعرض لهذه النصوص في مبحث وجوب الطاعة.
نخلص من هذا إلى أن أقوى مظهر وأوضح شاهد على صدق المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الاتباع وبدونه تصبح المحبة دعوى مجردة عن الدليل وقولا لا يصدقه عمل.
وهذا الاتباع محدد أيضا بشواهد وعلامات تؤكده وسنعرض لها فيما بعد.
ثانيا: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره والأدب معه:
تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم هو ما يقتضيه مقام النبوة والرسالة من كمال الأدب وتمام
¬_________
(¬1) سورة آل عمران، آية (31) .
(¬2) سورة الحشر، آية (9) .
(¬3) الشفا، 2 / 24.

الصفحة 67