كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

«بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماه أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال: يا رسول الله اعدل فقال: ويلك. ومن يعدل إذ لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه. فقال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» . . . .) (¬1) الحديث.
ويشبه هذا الصنيع صنيع المنافقين ومن انطمست بصائرهم فلم يعرفوا للنبي صلى الله عليه وسلم قدره ولم يحفظوا حرمته. ومما يلحق بالجفاء عدم التأدب في الحديث والكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم كصنيع بعض الشعراء والكتاب في تشبيه بعض الولاة والحكام أو وصفهم بصفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخاصة به. كقول المعري مثلا (¬2) .
لولا انقطاع الوحي بعد محمد ... قلنا محمد عن أبيه بديل
هو مثله في الفضل إلا أنه ... لم يأته برسالة جبريل (¬3)
وقد نقل القاضي عياض أمثلة من هذا القبيل من أقوال بعض الجفاة والمنافقين (¬4) .
ومما يلحق بالجفاء ترك الصلاة والسلام عليه لفظا وخطا، أو الاستهانة بهديه وسنته وقلة المبالاة بها أو التعظيم لشأن المفكرين والكتاب والقادة بما يغض من
¬_________
(¬1) صحيح البخاري. كتاب المناقب. باب علامات النبوة في الإسلام (4 / 243 - 244) .
(¬2) هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المقلب بالمعري. نسبة لمعرة النعمان بلدته (363- 449هـ) كان من أعلام الشعراء غير أنه كان زائغ الاعتقاد متشككا يميل إلى الزهد الفلسفي ولذلك كان متقلبا فتارة يكون موحدا وأخرى يكون ملحدا. وله عدة دواوين من أشهرها سقط الزند، واللزوميات وغيرها.
انظر. البداية والنهاية، 12 / 72 / -76.
ولسان الميزان لابن حجر، 1 / 203 - 208.
(¬3) هذان البيتان من قصيدة للمعري يمدح بها رجلا من العلويين. انظر: سقط الزند - لأبي العلاء المعري. طبع دار صادر، ص142، 1383، 1963م.
(¬4) انظر الشفا، 2 / 238 - 247.

الصفحة 69