كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

شأنه صلى الله عليه وسلم، مع أن هؤلاء مهما بلغوا لن يصلوا إلى مرتبة واحد من عامة الصحابة.
وقد كثر الجفاء في زماننا هذا بكثرة المارقين والمنهزمين من الكتاب والأدباء الذين سودوا الصحائف بالاستهزاء بتعاليم الإسلام وقيمه وربما بالتطاول على مقام النبوة. كما عزف كثير من المسلمين عن مطالعة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومذاكرة سنته وكثرة الصلاة والسلام عليه. مما أدى إلى الجفاء للنبي صلى الله عليه وسلم وعدم توقيره.
ولقد كان سلفنا الصالح إذا ذكر عندهم النبي صلى الله عليه وسلم أو حديثا من أحاديثه ظهر عليهم من الهيبة والإجلال والتأدب كما لو كان النبي صلى الله عليه وسلم أمامهم حتى إن بعضهم كان يبكي عند ذكره صلى الله عليه وسلم فكان محمد بن المنكدر (¬1) إذا سئل عن حديث بكى حتى يرحمه الجالسون، وكان عبد الرحمن بن مهدي (¬2) إذا قرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحاضرين بالسكوت وقال: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] (¬3) ويتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب عند سماع قوله صلى الله عليه وسلم (¬4) .
هكذا كان أدب سلفنا الصالح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته فأين منا هذا الأدب وذلك التوقير؟ كما نسأل الله العافية.
ثانيهما: الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ورفعه فوق مرتبته التي وضعه الله عليها.
¬_________
(¬1) هو أبو عبد الله محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير القرشي من أعلام التابعين روى عن جماعة من الصحابة وعمه جمع من الأئمة، كان سيد القراء قال ابن عيينة: كان من معادن الصدق، يجتمع إليه الصالحون.
انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي، 1 / 127- 128.
(¬2) هو أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي بن حسان البصري- من أعلام المحدثين حدث عن شعبة وسفيان وأمما، وعنه ابن المبارك وأحمد وابن المديني.
انظر: تذكرة الحفاظ، 1 / 329- 332.
(¬3) استشهد بقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " سورة الحجرات، آية (2) .
(¬4) انظر الشفا، 2 / 40- 47.

الصفحة 70