كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

متنوعة. وقد اشتملت سورة الحجرات في صدرها على مجموعة من التوجيهات التربوية للمسلمين في كيفية تعاملهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتأدب معه.
فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ - إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ - إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ - وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 1 - 5] (¬1) فقد أشارت هذه الآيات إلى بعض وجوه الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم منها:
- عدم التقدم بين يدي الله ورسوله بقول أو فعل أو إذن أو تصرف كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] (¬2) . قال ابن جرير في تفسير هذه الآية:
" لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم، قبل أن يقضي الله لكم فيه، ورسوله، فتقضوا بخلاف أمر الله وأمر رسوله (¬3) . وهذا الأمر فرض باق على الأمة إلى يوم القيامة- مثل طاعته صلى الله عليه وسلم حيا وميتا- فالتقدم بين يدي سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كالتقدم بين يديه في حياته، ولا فرق بينهما عند ذوي العقول السليمة، فالأدب كل الأدب معه صلى الله عليه وسلم تقديم سنته وأقواله على كل قول أو رأي (¬4) .
- ومنها عدم رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم الجهر له بالقول
¬_________
(¬1) سورة الحجرات، آية (1-5) .
(¬2) سورة الحجرات، آية (1) .
(¬3) تفسير ابن جرير، 26 / 116.
(¬4) انظر. مدارج السالكين لابن القيم، 2 / 389.

الصفحة 72