كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

مخافة حبوط العمل. فالأدب معه في حياته غض الصوت عنده مع الهيبة والإجلال له، وأن يكون مجلس علم وحلم ووقار وسكينة، وأن يكون الحديث معه بتأدب وتلطف.
وإذا كان الله قد حرم رفع الأصوات فوق صوت نبيه، وحرم الجهر له بالقول لما في ذلك من الجفاء والإيذاء لنبيه صلى الله عليه وسلم، فكذلك رفع الأصوات عند قبره صلى الله عليه وسلم في حكم رفع الصوت عنده في حياته من حيث التحريم لأن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا.
وقد شدد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه النكير على رجلين رفعا أصواتهما في المسجد النبوي وذلك فيما رواه البخاري بسنده عن السائب بن يزيد قال:
(كنت قائما في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فاتني بهذين، فجئته بهما. قال: من أنتما- أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما. ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم!) (¬1) .
فإذا تقرر هذا علمنا أن ما يحدث من كثير من الناس عند قبره صلى الله عليه وسلم من رفع الأصوات واختلاطها، وصنيع من يسمون " بالمزورين " من رفع الأصوات عند القبر والتشويش في المسجد النبوي، كل هذا من الأمور المحرمة لما فيها من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، وانتهاك حرمة المسجد.
ومن مخالفة الأدب في هذا الباب رفع أراء بعض البشر وأقوالهم ومذاهبهم على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومحاولة إسكات صوت السنة والداعين إليها وفي هذا من الإيذاء والجفاء ما هو أكبر بكثير من مجرد رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم (¬2) .
¬_________
(¬1) صحيح البخاري. كتاب الصلاة. باب رفع الصوت في المساجد 1 / 127.
(¬2) انظر. مدارج السالكين، 2 / 389.

الصفحة 73