كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد، فكل هذا من قلة الأدب معه صلى الله عليه وسلم وهو عين الجرأة) (¬1) .
ومن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه: التأدب في الحديث معه والحديث عنه. وذلك باختيار أحسن الألفاظ وأعذبها، وأرق المعالي وألطفها، وتجنب كل ما فيه جفاء أو إساءة أدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وتنزيه مقام النبوة والرسالة من كل عيب أو نقص ينافي عصمته صلى الله عليه وسلم.
لأجل هذا نهى الله المؤمنين عن الجهر بالقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نهاهم عن مخاطبته كما يخاطب بعضهم بعضا كما سبق آنفا. لما فيه من الجفاء والإيذاء له. ومن هذا الباب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104] (¬2) .
فنهى الله المؤمنين أن يقولوا لنبيه صلى الله عليه وسلم (راعنا) لما فيها من احتمال معنى: ارعنا نرعاك على سبيل المقابلة كما يقال حادثنا وجالسنا، نحادثك ونجالسك. فكأنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم. بل حقه صلى الله عليه وسلم أن يرعى على كل حال، أو يكون معناها: ارعنا معك حتى نفهمك وتفهم عنا (¬3) وكلا المعنيين فيه جفاء لا يليق بمقام النبوة.
وقيل نهوا عن ذلك لما فيه من التشبه باليهود لأنهم كانوا يورون بهذه الكلمة عن الرعونة فنهي المسلمون عن قولها قطعا للذريعة، ومنعا للتشبه بهم في قولهم (¬4) .
وعلى ذلك فكل كلام يشعر بالجفاء وإن لم يقصده المتكلم- لا يجوز أن يخاطب به الرسول صلى الله عليه وسلم أو يتحدث به عنه لما في ذلك من إيذائه صلى الله عليه وسلم وإذهاب هيبته من النفوس.
¬_________
(¬1) مدارج السالكين، 2 / 390.
(¬2) سورة البقرة، آية (104) .
(¬3) انظر. تفسير الطبري، تحقيق محمود وأحمد محمد شاكر، طبع دار المعارف مصر، 2 / 463 - 466.
(¬4) انظر. الشفا للقاضي عياض، 2 / 37.
وتفسير ابن كثير، 1 / 148- 149.

الصفحة 76