كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

والثاني: ما يكرهه ويبغضه ويذم فاعله، فهذا ليس بتعظيم، بل هو غلو مناف للتعظيم، ولهذا لم يكن الرافضة معظمين لعلي بدعواهم الإلهية والنبوة أو العصمة ونحو ذلك، ولم يكن النصارى معظمين للمسيح بدعواهم فيه ما ادعوا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على من عظمه بما لم يشرعه، فأنكر على معاذ سجوده له، وهو محض التعظيم.
وفي المسند بإسناد صحيح على شرط مسلم عن أنس بن مالك: «أن رجلا قال: (يا محمد، يا سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا، وابن خيرنا) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل» (¬1) وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله» (¬2) .
وكان يكره من أصحابه أن يقوموا له إذا رأوه، ونهاهم أن يصلوا خلفه قياما. وقال: «إن كدتم آنفا لتفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم» (¬3) وكل هذا من التعظيم الذي يبغضه ويكرهه (¬4) .
وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من قال له: ما شاء الله وشئت أخرج الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال أجعلتني والله عدلا. بل ما شاء الله وحده» (¬5) .
وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى أن يقولوا- إذا أرادوا- ما شاء الله ثم شاء
¬_________
(¬1) المسند، 3 / 153، 241.
(¬2) سبق تخريجه، ص24.
(¬3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة. باب ائتمام المأموم بالإمام، 1 / 309، والنسائي في كتاب السهو. باب الرخصة في الالتفات في الصلاة يمينا وشمالا 3 / 9.
(¬4) الصارم المنكي في الرد على السبكي، 288.
(¬5) المسند، 1 / 214، والحديث إسناده حسن.
انظر السلسة الصحيحة 1 / 56- 57.

الصفحة 85