كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

خامسا: ومن مظاهر محبة النبي صلى الله عليه وسلم محبة سنته والداعين إليها: والمتمسكين بها وأهل العلم الذين لهم في هذه الأمة قدم صدق وهم السلف الصالح ومن أتى بعدهم على منهاجهم حتى يومنا هذا وتوليهم والدفاع عنهم ومعرفة قدرهم وحفظ حرمتهم والتأدب معهم والاعتذار لمن أخطأ منهم بأحسن المعاذير، وحمل أقوالهم وأحوالهم على أحسن المحامل والوجوه، لأن قصدهم إنما هو نصرة الدين، ولا يعني ذلك عدم تبيين الحق فيما اختلفوا فيه أو الصواب فيما أخطأوا فيه فذلك هو واجب العلماء إلى يوم القيامة.
وإنما المقصود هو إحسان الظن وإنصافهم والتأدب معهم، لأنهم حملة الشريعة، ولولا أن الله هيأهم لهذا الأمر لما كان لنا عن هذا الدين خبر، فهم سلفنا الصالح فلنكن لهم خير خلف، لا أن نفيد من تراثهم ونجحد فضلهم أو نتلمس معايبهم ومطاعنهم دون النظر إلى فضائلهم، فهذا هو سبب ذهاب بركة العلم. ولن نرزق بركة العلم والدين إذا لم نعترف لهم بسابق الفضل والمنزلة وتسلم صدورنا لهم ونترحم عليهم ونسأل الله لهم المغفرة، وهذا هو شأن المؤمن في كل زمان.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] (¬1) .
قال شارح العقيدة الطحاوية (¬2) .
(فيجب على كل مسلم بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمن، كما نطق
¬_________
(¬1) سورة الحشر، آية (10) .
(¬2) هو علي بن أبي العز الحنفي، (731 - 792) فقيه ولي منصب قاضي القضاة بدمشق بالديار المصرية.
من تصانيفه: التنبيه على مشكلات الهداية. في الفقه الحنفي. وشرح العقيدة الطحاوية وغيرها. انظر الدرر الكامنة لابن حجر، 3 / 159 - 160، والإعلام للزركلي، 4 / 313.

الصفحة 91