كتاب مناظرة بين الإسلام والنصرانية

قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} (¬1)
مما عرضناه وسردناه يتضح لنا أن المقصود تحكيم هذه الكتب، فيما يتفق مع القرآن لا فيما يناقضه أو يخالفه.

فإن قال قائل من النصارى: إن القرآن الكريم يثني علينا ويعتبرنا أقرب الناس مودة للذين آمنوا، كما في قوله:
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (¬2)
قلنا له: إن هذا الثناء إنما هو خاص بالذين آمنوا منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم- ولا شك أن الذين دخلوا في الإسلام من النصارى أكثر من الذين دخلوا فيه من اليهود -.
ودليل ذلك ما جاء في الآيتين الثالثة والثمانين والرابعة والثمانين من سورة المائدة وهما الآيتان اللتان تليا الآية التي استشهد بها ذلك القائل {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} (¬3)
¬_________
(¬1) سورة المائدة، آية 44.
(¬2) سورة المائدة، آية 82.
(¬3) سورة المائدة، آية 83-85.

الصفحة 414