وقد عارض أحمد رحمه الله أخبار الدباغ بحديث ابن عكيم (1) ، وهو عن كتاب؛ لأن ناقل الكتاب جارٍ (2) مجرى راوي اللفظ؛ لأنه إما أن يقول: قرأه علينا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، أو يقول: هذا كتابه: كما يقول: سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، وما يتطرق على أحدهما يتطرق على الآخر مثله من التغيير.
وقال الجرجاني: ما [155/ب] سمعه أولى مما روي عن كتاب؛ لأن التغيير يجوز على الكتاب، ولا يجوز ذلك فيما سمعه.
قيل: لا يجوز مثل هذا عليه؛ لأن الرسول صحابي؛ ولأنه إن جاز التغيير على الكتاب، جاز التغيير فيما يحكيه لفظاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الثامن: أن يكون أحدهما أمسّ سياقاً للحديث، وأشد تقصياً، فيكون أولى؛ لأنه يدل على حفظه وضبطه، ومثاله ما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج (3) ، وقد وصف خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة مرحلةً مرحلةً ودخوله مكة، ومناسكه على ترتيبه، وانصرافه إلى المدينة.
التاسع: أن يكون أحد الراويين لم يضطرب لفظه، والآخر قد اضطرب لفظه، فيقدم خبر من لم يضطرب لفظه؛ لأنه يدل علي حفظه
__________
(1) هو عبد الله بن عكيم أبو معبد الجهني، وقد سبقت ترجمته، كما قد سبق تخريج حديثه، وقد أورده المؤلف بلفظ: (أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) .
(2) في الأصل: (جاري) .
(3) حديث جابر - رضي الله عنه - هذا أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام.. (2/881-885) بعدة ألفاظ.
وأخرجه عنه أبو داود في كتاب المناسك، باب في إفراد الحج (1/414-415) .
وأخرجه عنه ابن ماجه في كتاب المناسك، باب الإفراد في الحج (2/988) .
وتكلم عنه الحافظ ابن حجر في كتابه: "تلخيص الحبير" (2/231) .