كتاب العدة في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

ولأنه لا يجوز أن يقول أحد: إنه كان في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- جائز أن يرى رجلًا يزني أو يقتل النفس، فلا ينكر عليه اكتفاءً بنهي الله تعالى [8/ أ] عن ذلك؛ ولأن ترك ذلك يؤدي إلى إسقاط فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" 1.
وقد يقع بيان المجمل بالإجماع، نحو إجماعهم على أن دية الخطأ على العاقلة، والذي في كتاب الله: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} 2، ولم يذكر وجوبها على العاقلة3.
__________
1 هذا الحديث رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعًا، أخرجه عنه مسلم في كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص "1/ 69".
وأخرجه عنه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الخطبة يوم العيد "1/ 260". كما أخرجه عنه في كتاب الفتن، باب الأمر والنهي "2/ 437".
وأخرجه عنه الترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب "4/ 469" وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي في كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان "8/ 98".
وراجع في هذا الحديث أيضًا: "المنتقى من أحاديث الأحكام" "ص: 265"، و"ذخائر المواريث" "3/ 180"، و"فيض القدير" "6/ 130".
2 "92" سورة النساء.
3 هذه الآية ليست مجملة -كما ذهب إليه المؤلف- وإنما هي عامة، تفيد هي وغيرها من النصوص أن الدية على القاتل، جزاءً لما فعل، سواء كان القتل عمدًا أو خطأ، ولكن الخطأ خص بالنص، حيث قد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى بدية الخطأ على العاقلة كما في قصة حمل بن مالك، ثم وقع الإجماع على ذلك، كما حكاه القرطبي في تفسيره، وإن كان أبو بكر الأصم وجمهور الخوارج أوجبوا الدية على القاتل في كلا الحالتين. راجع "تفسير القرطبي" "5/ 311- 328"، و"تفسير الفخر الرازي" "10/ 115- 124".

الصفحة 128