كتاب العدة في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

قيل: هذا غلط؛ لأننا نقول بمقتضى التكرار على الإمكان [29/ أ] والوسع، على وجه لا يفضي إلى الانقطاع عن الفروض والمصالح. وعندهم يجب فعل مرة واحدة، وإن كان في الطوق والوُسْعِ أكثر منها. ثم يبطل به إذا قال: صلِّ على الدوام، لزمه التكرار وإن أفضى إلى ما ذكرت.
وأيضًا: فإن الأمر يتضمن ثلاثة أشياء: وجوب الفعل، ووجوب الاعتقاد لوجوبه، ووجوب العزم على فعله. وقد ثبت أن الاعتقاد والعزم يجب تكررهما كذلك الفعل.
وحكى الجرجاني1 عن بعض شيوخه: أنه لا يلزم تكرار الاعتقاد وإنما عليه اعتقاد حكمه والبقاء على ذلك من غير أن يحدث ما ينافيه، وبناه على الفعل، وأنه لا يلزمه تكراره، وشبهه بالإيمان، وأن من اعتقده استحق المداومة عليه، وأن لا يحدث ما ينافيه، وإن لم يكرره.
وهذا القائل إن لم يسلِّم الاعتقاد، فقد سلم وجوب دوام البقاء على الاعتقاد، وهذا لا خلاف فيه؛ لأنه لو أبيح له ترك اعتقاد وجوب ما كلف وجوبه، لكان قد أبيح له ترك العلم بصدق الله تعالى في أخباره، وإذا ثبت وجوب المدوامة على الاعتقاد وجب المداومة على الفعل؛ لتضمن الأمر لكل واحد منهما2.
__________
1 هو محمد بن يحيى بن مهدي، أبو عبد الله الجرجاني، حنفي المذهب، جرجاني الأصل، بغدادي السكنى، كان يدرس بمسجد: قطيعة الربيع، ببغداد. له كتابان: "ترجيح مذهب أبي حنيفة"، و"القول المنصور في زيارة القبور". مات سنة: 397هـ.
له ترجمة في: الأعلام "8/ 5"، وتاريخ بغداد "3/ 433"، والجواهر المضية في طبقات الحنفية "2/ 143"، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زاده "ص: 72"، والفوائد البهية في تراجم الحنفية "ص: 202".
2 في الأصل: "منها".

الصفحة 269