كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الصيام (اسم الجزء: 1)

بل مثل هذا في الشرع: إما أن يجب الاحتياط فيه أو يستحب كما سنذكره إن شاء الله, وهذا معنى قول من قال من الصحابة: «لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان».
ولا يخالف هذا قول ابن مسعود: «لأن أفطر يوماً من رمضان ثم أقضيه أحب إليَّ من أن أزيد فيه ما ليس منه»؛ لأنه جعل الفطر والقضاء خيراً من الزيادة؛ لأن الفطر والقضاء غالباً إنما يكون مع الصحو بأن يكون بعض الناس قد رآه ولم يثبت ذلك بعد, أما مع الغيم؛ فيتعذر الرؤية غالباً.
ثم هذا الشك قد يرجح فيه الصوم من وجهين:
أحدهما: أن الغالب على شعبان أن يكون تسعاً وعشرين, وإنما يكون ثلاثين في بعض الأعوام, فإن غُم الهلال؛ كان إلْحاق الفرد بالأعم الأغلب أولى مِنْ إِلْحاقهِ بالأقل.
الثاني: أن الشهر المتيقن تسع وعشرون, وما زاد على ذلك متردد بين الشهور, وقد كمل العدد المتيقن, وقد نَبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى بقوله: «إنما الشهر تسع وعشرون» , بصيغة (إنما) التي تقضي إثبات المذكور ونفي ما عداه, فعلم أن ما زاد على التسع والعشرين ليس من الشهر بيقين, فإذا مضت من شعبان تسع وعشرون ليلة؛ فقد مضى الشهر الأصلي.
وأيضاً ما احتج به بعض أصحابنا, وهو:
119 - ما روى مطرف بن الشخير عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (أو: قال لرجل وهو يسمع): «هل صمت من سرر هذا الشهر شيئاً؟».

الصفحة 108