كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الصيام (اسم الجزء: 1)

89 - ولهذا رجع ابن عمر في تفسيره التفرق أنه التفرق بالأبدان لما روى حديث: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» , لا سيما والراوي هو ابن عمر, وكان في اتباعه للسنة وتحريه لدينه بالمكان الذي لا يخفى, وتفسيره مقدم على تفسير غيره ممن هو بعده في الفقه واللغة.
الثاني: من جهة اللغة؛ فإنهم يقولون: قدرت الشيء أقدُره وأقدِره قدراً بمعنى قدَّرته أقدِّره تقديراً, يقولون: قَدَر الله هذا الأمر وقَدَّره من القضاء, وقَدَرْت الشيء وقَدَّرْته من الحساب, وقَدَر على عياله قَدْراً مثل قَتَر وقُدِر على الإنسان رزقه مثل قُتِر, قال جماعة من أهل اللغة: قَدَر يَقْدِر بمعنى ضيق, ومنه قوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87]؛ أي: نضيق, وقوله: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الشورى: 12] أي: يضيق, فإن كان قوله: «فاقدروا له»؛ بمعنى: ضيقوا له؛ فالتضييق لا يكون إلا بأن يحسب له أقل زمان يطلع فيه, وهو طلوعه ليلة الثلاثين, وإن كان بمعنى: قدروا له؛ فإن التقدير الحساب والعدد, وذلك يطلق على التقدير بالثلاثين وعلى التقدير بالتسع والعشرين؛ فالقدر بالثلاثين هو القدر في آخر الشهر, وعلى ذلك تحمل الرواية المفسرة إن صحت فإن مدارها. . .؛ فإن الراوي لها ابن عمر, ومحال أن يروي: «فاقدروا له» في أول الشهر ثلاثين ويقدر هو تسعاً وعشرين.
90 - وقد روي ذلك مفسراً من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدَّموا الشهر (يعني: رمضان) بيوم ولا يومين؛ إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه أحدكم, صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم

الصفحة 93