كتاب البيان «مقدمة وخاتمة» لكتاب كشف الشبهات

هذا شيء يقرره العرف والعقل فضلا عن الشرع الذي هو حقيقة ملة إبراهيم.
ومن هنا نعرف ما انغمس به غالب المحسوبين على الإسلام من الوثنية الجديدة، بل من أقبح أنواع الشرك بما استجلبوه من مبادئ الغرب ومذاهبه المادية التي بدلوا بها قولا غير الذي قيل لهم، فجعلوا حدود الوطن فوق حدود الله، وآثروا محبوباتهم وجميع نزعاتهم على حب الله وطاعته، وجعلوا لأنفسهم الخيرة فيما يشرعون وينظمون خلافا لما قضى الله ورسوله، واتبعوا ما يمليه رجال تألهوهم بالحب والتعظيم، وجعلوهم أندادا من دون الله، زاعمين أن القومية والوطنية وما يستلزمها من المذاهب المادية تتمثل في تلك الأشخاص الذين يعملون لخيرهم ويسطرون فلسفة مبادئهم ومذاهبهم فيما يزعمون، وزيادة شركهم وقبح وثنيتهم عن الأوائل ظاهر مكشوف لأنهم لم يسووا محبوبهم برب العالمين فيكونوا كغيرهم من المشركين الذين {هُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
بل زادوا لهم حباً وانقياداً في كل شيء وكان أحدهم لا يبالي إذا انتهكت محارم الله وانتقص دينه ورسوله، ولا يطمئن قلبه لذكر الله وما نزل من الحق، بل ينفر ويشمئز.
أما إذا فعل ما يخل بمبادئهم وفلسفة مذاهبهم أو ذكر محبوبهم بسوء فمن ذلك يغضبون وينتصرون لهم ما لم يغضبوا لله وينتصروا لدينه، وتجدهم قد زادوا وتمادوا في غيهم على كل ما فعله الكفرة الفجرة في غابر القرون، بحيث انعدم في بعضهم توحيد الربوبية فضلا عن توحيد الألوهية، وأصبحوا أقبح حالا من المنافقين الذين يأمرون بالمنكر؛ لأنهم يشجعون عليه فينال صاحبه منهم الجوائز والألقاب الرفيعة والوظائف

الصفحة 12