كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

ومن ذلك أن البخاري قال - في ترجمة خلاس بن عمرو الهجري -: (روى عن أبي هيرة ... ) (¬1) ، وقال الإمام أحمد بن حنبل: (لم يسمع من أبي هريرة شيئاً) (¬2) .
ومن ذلك أن البخاري - في ترجمة ميمون بن أبي شبيب - قال: (يروي عن المغيرة بن شعبة وسمرة ومعاذ) (¬3) ، وقد قال عمرو بن علي الفلاس - في ترجمة ميمون بن أبي شيب ها -: (كان رجلاً تاجراً كان من أهل الخير، وليس يقول في شيء من حديث سمعت، ولم أخبر أن أحداً يزعم أنه سمع من الصحابة) (¬4)
وبهذه المقارنات يتقرر أن مراد البخاري عندما يذكر كلمة "عن" فيما يرويه صاحب الترجمة عمن حدث عنهم أن سماع ذلك الراوي عن أولئك الشيوخ لم يثبت إذ لو كان السماع ثابتاً لقال: "سمع" ولم يقل "عن".
ومن المهم أن أؤكد هنا أن كلمة "عن" كما أسلفت تعني أن البخاري يرى أن سماع صاحب الترجمة ممن روى عنهم غير ثابت، إلا أنها لا تعني نفي السماع بيقين، لذا لا أستجيز أن يقال فيمن ذكر البخاري في ترجمة "عن فلان" أن البخاري حكم على روايته عن ذلك الشيخ بأنها منطقعة أو أن ذلك الرجل لم يسمع من ذلك الشيخ، والذي أرتضيه وأراه - بعون الله - صواباً في مثل هذه الحالة أن يقال: إن سماع ذلك الرجل لم يثبت من ذلك الشيخ الذي روى عنه فهذه العبارة أكثر دقة في بيان المعنى من غيرها من العبارات التي قد يفسر بها صنيع البخاري ذلك.
ومما ينبغي أن يُعلم أنه يوجد التصريح بالسماع في بعض ما قال فيه البخاري: "روى عن فلان"، وذلك لأن العلم بحر لا ساحل له، ولا يستطيع أحد الإحاطة به {وفوق كل ذي علم عليم} (¬5) ، كما أن اجتهاد العالم قد يتغير تبعاً
¬_________
(¬1) التاريخ الكبير (3/227-228) .
(¬2) جامع التحصيل (ص173) .
(¬3) التاريخ الكبير (7/338) .
(¬4) تهذيب التهذيب (10/389) .
(¬5) سورة يوسف آية 76.

الصفحة 101