كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

الزبير المكي لم يسمع من ابن عباس) (¬1) ، وأبو حاتم الرازي يقول: (أبو الزبير رأى ابن عباس رؤية) (1) .
وقد تقدم في المبحث الأول من هذا الفصل عدة شواهد تندرج تحت وسلة الإثبات الثانية المعنونة بإثبات اللقاء في قصة أو حادثة مرورية، فأغنى ذكرها هناك عن إعادتها هنا.
وقد ذكر مسلم - رحمه الله تعالى - الوسيلتين السابقتين أثناء عرضه لقول مخالفه إذا قال: (إن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء، حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعداً، أو تشافها بالحديث بينهما، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما، وتلاقيهما مرة من دهرهما، فما فوقها) (¬2) . وبقي وسيلة لم يذكر مسلم، وليس ذلك إلا لندرتها، ولكون الوسلة الأولى، والثانية أكثر في الاستخدام والتطبيق منها، وسنتحدث عنها الآن.
ثالثاً: ألفاظ غير صرحية في اللقاء ولكنها قرائن قوية على وقوعه:
وجدت في بعض الأحايين أحاديث صححها البخاري، ولم يثبت لبعض رواتها السماع من البعض الآخر، ولا يوجد للبخاري كلام في ثبوت السماع لرواة تلك الأحاديث، ولا حتى كلام في تفسير ما صنع، ولكن التأمل في هذه الأحاديث يقودنا إلى الاستنباط إلى أن البخاري إنما صحح تلك الأحاديث لوجود قرائن قوية تدل على وقوع اللقاء بين بعض رواة السند من بعضهم الآخر، ولا أدعي أن الشواهد التي سأسوقها هي محل اتفاق، فالأمر اجتهادي ولا يخرج عن حدود الاستنباط، ولم ينم إلى علمي أن احداً ذكر هذه الوسيلة ضمن وسائل إثبات اللقاء عند البخاري أو علي بن المدين، مما جعلني أتردد وأفكر في إلغاء هذا الجزء من مبحث وسائل إثبات اللقاء، ولكن رأيت أن الإقدام خير من الإحجام، وأن المصلحة في كتابة هذا الجزء راجحة مع ما قد يستعرض له من نقد، وفيما يلي شواهد على هذه الوسلة:
1- أخرج البخاري في صحيحه من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن
¬_________
(¬1) المراسيل لابن أبي حاتم (ص154) .
(¬2) مقدمة صحيح مسلم (1/29) .

الصفحة 117