كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

مكان كذا وكذا، فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -) (¬1) .
ثم ساق البخاري حديثين فيهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخدم الكتابة في تبليغ الدعوة ليؤكد أن المكاتبة تقوم بها الحجة.
والاحتجاج بالمكانية هو مذهب أئمة الحديث، قال القاضي عياض: (وقد استمر عمل السلف ومن بعدهم من المشايخ بالحديث بقولهم: كتب إلي فلان قال: أخبرنا فلان، وأجمعوا على العمل بمقتضى هذا التحديث وعدوه في المسند بغير خلاف يعرف في ذلك، وهو موجود في الأسانيد كثير) (¬2) .
ومن الأمثلة على احتجاج البخاري عمليًا بالمكاتبة في صحيحه:
أخرج حديث أبي عثمان النهدي قال: (أتانا كتاب عمر ونحن مع عتبة بن فرقد بأذربيجان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بأصبعيه اللتين تليان الإبهام قال: فيما علمنا أنه يعني الأعلام) (¬3) .
وأخرج حديث سالم أبي النصر مولى عمر بن عبيد الله قال: (كنت كاتبًا له - يعني لعمر بن عبيد الله -، قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية فقرأته فإذا فيه: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس فقال: لا تمنوا لقاء العدو وسلو الله
¬_________
(¬1) صحيح البخاري (1/185) ، كتاب العلم، باب ما يذكر في المناولة.
(¬2) الإلماع للقاضي عياض (ص86) ، وللاستزادة حول مسألة المكاتبة ينظر: المحدث الفاصل (ص435-458) ، ومعرفة علوم الحديث (ص261) ، والكفاية (ص273-382) ، وفتح المغيث للسخاوي (ص135-143) ، وتدريب الراوي (2/56) ، وتوضيح الأفكار (2/338-341) .
(¬3) صحيح البخاري (10/295/ [5828] ) ، كتاب اللباس، باب لبس الحرير للرجال، وقدر ما يجوز منه، وقد قال الدارقطني في كتابه التتبع (ص261) : (وهذا لم يسمعه أبوعثمان من عمر، وهو مكاتبة، وهو حجة في قبول الإجازة) ، وكلام الدراقطني يدل على أنه تراجع عن استدراك الحديث، كما قال الحافظ في الفتح (10/298) .

الصفحة 133