كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

محمد بن عقيل أم لا؟، وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح) (¬1) .
فالبخاري يحسن (¬2) الحديث، مع تشككه في سماع عبد الله بن محمد بن عقيل من إبراهيم بن محمد بن طلحة، ويظهر لي أن بعض القرائن هي التي حملت البخاري على تحسين هذا الحديث، وأهمها ما يلي:
1- إن احتمال السماع أقوى من عدم السماع، وذلك يظهر بمعرفة وفاة إبراهيم بن محمد بن طلحة فقد مات كما قال علي بن المديني وغيره سنة 110هـ (¬3) ، وقد ثبت أن ابن عقيل سمع ممن هو أقدم وأكبر سنًا من إبراهيم بن محمد، فقد قال البخاري في ترجمة ابن عقيل: (سمع ابن عمر، وجابرًا، والطفيل بن أبي) (¬4) فإذا عرفنا أن ابن عمر مات سنة 73هـ، وفرضنا أن ابن عقيل سمع منه وعمره ثمان سنوات - مع بعد هذا الاحتمال - فتكون ولادة ابن عقيل 65هـ، ويكون أدرك من حياة محمد بن إبراهيم بن طلحة ما يقارب الخمس والأربعين سنة وهو معه في نفس البلد.
وأظن أن البخاري أعطى اعتبارًا عندما حسن هذا الحديث لكون السند مدنيًا فإن الحديث أهل المدينة وضعية تختلف عن أحاديث البلدان الأخرى، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد اتفق أهل العلم بالحديث على أن أصح الأحاديث أحاديث أهل المدينة) (¬5) ، ولم يكن التدليس في المدينة معروفًا. قال الحاكم:
¬_________
(¬1) العلل الكبير للترمذي (1/187-818) ، في السند عبد الله بن محمد بن عقيل قال عنه البخاري: مقارب الحديث، وهو مختلف فيه، التهذيب (6/15) .
(¬2) قد يفهم من نص البخاري السابق الاستثناء أي كأنه قال: هذا حديث حسن لولا هذه العلة، ولكن رأيت الترمذي في سننه (1/226) جزم بتحسين البخاري للحديث وحذف كلامه حول سماع ابن عقيل من ابن طلحة، ونقل تحسين البخاري بالجزم كل من البيهقي فيمعرفة السنن والآثار (2/159) ، وابن عبد الهادي في المحرر (1/148) ، وابن حجر في بلوغ المرام حديث رقم (151) .
(¬3) تهذيب التهذيب (1/154) .
(¬4) التاريخ الكبير (5/183) .
(¬5) صحة أصول مذهب أهل المدينة (ص33) .

الصفحة 145